في ظروف تاريخية وطنية وقومية مثقلة بالإحباط واليأس لابد من الاعتراف أن الآمال الوحدوية والقومية قد استعادت طاقات أمل جديدة وواعدة من المبادرة اليمنية التي تقدّم بها فخامة الأخ رئيس الجمهورية إلى القمة العربية الثانية والعشرين التي انعقدت في سرت بالجماهيرية العربية الليبية التي قوبلت بالترحاب والتصفيق من قبل أصحاب الجلالة والفخامة والسمو ملوك ورؤساء وأمراء الأمة العربية وممثليهم إلى هذه القمة الذين شكّلوا لجنة خاصة لدراستها وتقديمها إلى القمة الاستثنائية العربية التي ستنعقد لإقرارها بعد ستة أشهر من الآن. نعم لقد أكدت المتغيرات السياسية والاجتماعية والحضارية التي تجتاح عالم اليوم أن فخامة الأخ الرئيس أكثر قدرة على استقراء الحاضر والمستقبل من وحي ما لديه من القناعات الأيديولوجية الوطنية والوحدوية التقدمية في وقت أخذت فيه الكثير من القيادات السياسية والحزبية الوحدوية القومية منها والاشتراكية والإسلامية على وجه الخصوص تتراجع تحت ضغط الإحباط واليأس؛ وقد يكون تحت ضغط الطمع بالسلطة وتداعيات اليأس من الوصول إلى تطبيق قناعاتها الأيديولوجية المرتبطة بالانتصار للمشروع الحضاري الوطني القومي الإسلامي التقدمي الكبير لصالح المشاريع القزمية الانهزامية الصغيرة المروجة للنزعات الأسرية العشائرية القبلية الطائفية الشطرية المقيتة ذات الأهداف الانفصالية الإمامية الرجعية التي كان مجرد الحديث عنها جريمة تعرض أصحابها للسخرية والخزي والعار من قبل المجتمع. مؤكداً بذلك الإصرار الوحدوي الواثق وبتلك القناعات القومية المستنيرة أن الأقدر على القيادة والأقرب إلى إرادة شعبه اليمني وأمته العربية التي تنظر إلى القوة والنصر والتقدم والرقي من زاوية الوحدة، وتنظر إلى الضعف والهزيمة والتخلف من زاوية التجزئة والانعزال والشطرية التي لا ينتج عنها سوى الغرق في المعتركات الظلامية والضلالية للمشاريع الصغيرة؛ يشبه الغرق في الماضي وعدم القدرة على مغادرته إلى الحاضر والمستقبل الأفضل. ومعنى ذلك أن أحزابنا الوطنية بحاجة إلى مراجعة خطاباتها ومواقفها ومشاريعها الصغيرة، واستبدالها بقناعات مترفعة عن تجزئة الزمان بتخارجاته الثلاثة التي لا تنتج عنها سوى عدم القدرة على الحركة والتغيير والتطوير بحثاً عما هي بحاجة إلى القدرة على التجدد والتجديد الذي يستبعد الرزوح تحت وطأة التداعيات المفتعلة بالإحباط واليأس الناتج عن الإحساس بالهزيمة التي لا تخلّف في الحاضر والمستقبل سوى الإحساس بالموت الأيديولوجي والموت السياسي وما ينطوي عليه من فقدان للشعور بالتفاؤل والأمل على نحو يفقد الشعوب والأمم ما هي بحاجة إليه من الحركة الحياتية والحضارية السريعة والطليقة الهادفة إلى استقدام المستقبل بوحي من القدرة على الاستفادة من دروس الماضي وعِبره الموجهة والمحركة لما لدينا من الطاقات والإمكانيات المتموضعة في المكان على نحو ينتصر للكفاية على الحاجة، وللتقدم على التخلف، وللعدل على الظلم، والعلم على الجهل والقوة على الضعف، وللنصر على الهزيمة. نعم إن الوحدة هي المدخل الوحيد إلى القوة أياً كانت وطنية أو قومية أو إسلامية؛ لأن من لا يقوى على الاستفادة من الزمان لا يمكن الاستفادة من الخيرات المتموضعة في المكان، بحكم ما يعانيه من الإحباط واليأس في المعتركات الظلامية للماضي يعاني بالضرورة فقدان التفاؤل والأمل في الحاضر والمستقبل؛ يحتاج إلى الثورة أولاً على هذا النوع من الاستسلام للماضي والنظر إليه باعتباره الحاضر والمستقبل والفعل ورد الفعل والشفاء من المرض الذي أصيبت به دون وعي ولا قصد بصورة أدّت إلى استفحال ما تعاني منه بعض القيادات التقليدية الجامدة للأحزاب والتنظيمات السياسية التي تأبى إلا أن تشكك المجتمعات العربية مما تحتاجه من مقومات القوة المادية والمعنوية. بل قد تدعو قواعدها إلى التخلي عن الأفكار والمبادئ الأيديولوجية الوحدوية والتقدمية والاستسلام لنوع من الممارسات الرجعية والانفصالية المروجة للكراهية بين أبناء الشعب الواحد، والتخلي عن أفضل الأيديولوجيات والثورات ذات المشاريع الكبيرة الوطنية والوحدوية القومية والإسلامية المستحيلة القابلية للتحقق بعد أن تكون قد ألحقت بها كل ما هو قبيح من التشوهات الدعائية التي لا تخلف سوى الانتكاسات والهزائم المتلاحقة التي تنحصر في نطاق المعارضة المطلقة لكل ما يقوم به من هم في الحكم والعكس؛ باعتبارهم أصحاب مشاريع صغيرة لا ينتج عنها أي جديد يعزز ما لدى شعوبهم وأممهم من التطلعات والطموحات والمشاريع الكبيرة. لذلك لا نجد في هذه الصحافة أو تلك في خطاباتها ومواقفها سوى الترويج المناقض للمواقف والخطابات الوحدوية والقومية، وكأن مسئولية المعارضة تحتم عليها الخطابات والمواقف الداعية إلى إضافة إحباط إلى إحباط، ويأس إلى يأس بدلاً من المشاركة الموضوعية في الترويج لما هو إيجابي ولما هو وحدوي من المشاريع الكبيرة ذات الخطابات والمواقف الوطنية والقومية المعززة للأمل أياً كان مصدرها. لذلك لا غرابة أن تُستقبل هذه المبادرة وما خرجت بها القمة العربية من قرارات جادة ومسئولة بنوع من الفتور الذي يستدل به على عدم اهتمام الإعلام بمثل هذا النوع من المبادرات والقرارات الصائبة النابعة من الحرص على تفعيل وتطوير العمل العربي المشترك، واستبدال الجامعة العربية بالاتحاد العربي وفق ما سوف يتفق عليه من التعديل والتطوير لما نصّت عليه المبادرة القومية اليمنية، ربما لأن الوسائل الإعلامية مشغولة بالترويج للمكايدات والمزايدات والمناكفات السياسية الهادفة إلى تجسيم ما يعتمل في بعض المديريات والمحافظات الجنوبية من حراك انفصالي يهدف إلى فك الارتباط، واستبدال الدولة الوحدوية اليمنية بما قبلها من الدويلات الشطرية البائدة وبصورة تظهر الأحزاب والتنظيمات السياسية الوطنية والقومية والاشتراكية والإسلامية بمظاهر أيديولوجية رجعية وانفصالية تباعد بينها وبين ما هي بحاجة إليه من الثقة الشعبية في سباق التداول السلمي للسلطة. ومعنى ذلك أن ما حققته المبادرة القومية اليمنية من الموافقة العربية المبدئية الواعدة للانتصار لما تؤمن به من القناعات الأيديولوجية والمشاريع الحضارية الكبيرة على الصعيدين الوطني والقومي يدل على تقدم كبير في وعي من هم في الحكم من ملوك ورؤسا وأمراء الدول العربية الذين كانوا إلى وقت قريب يتضايقون من أية دعوة للتضامن العربي ولو في نطاق ما هو قائم من آليات عربية تقليدية. أقول ذلك وأقصد به أن المبادرة اليمنية التي اعتبرها البعض أنها نوع من التطاول بدافع الرغبة في تصدير المشاكل اليمنية الناتجة عن التحديات الداعية إلى العودة إلى ما قبل الثورة وما قبل الوحدة، أي أنها هروب إلى الأمام لا يمكن للملوك والرؤسا والأمراء العرب القبول بها وإدراجها في جدول أعمال قممهم العربية السابقة واللاحقة حتى من باب المجاملة؛ هاهي تتحول إلى مبادرة مقبولة ليس فقط تحت ضغط ما يعتمل من التحديات الصهيونية الرافضة بوقاحة لمبادرة السلام العربية المستندة إلى قرارات واتفاقات ومبادرات الشرعية الدولية؛ بقدر ما تتجاوز ذلك إلى تحديات إقليمية مذهبية ودولية معبرة عما لديها من النوايا والأطماع الاستعمارية الطامعة بما لدى هذه الأمة من الخيرات والموارد والإمكانيات الكبيرة؛ في وقت يتجه فيه عالم اليوم إلى استبدال التجمعات والكيانات الصغيرة بالتجمعات والتكتلات والاتحادات ما بعد القومية كما هو الحال في القارتين الأوروبية والأفريقية. أخلص من ذلك إلى القول إنه قد آن الأوان للأحزاب والتنظيمات السياسية القومية والاشتراكية والإسلامية اليمنية والعربية أن تستعيد ما هي بحاجة إليه من التجدد والتجديد لقناعاتها الأيديولوجية ذات المشاريع الحضارية الكبيرة والواعدة والتي تعاني من الوطأة الشديدة للأثقال الناتجة عن تراكمات السقوط في مستنقعات المشاريع الصغيرة الداعية إلى هذا النوع من التداعيات الرجعية الممجوجة والمرفوضة من الشعوب وغير المعقولة بأي حال من الأحوال الأيديولوجية والحضارية والسياسية والاقتصادية ...إلخ، وفي وقت باتت فيه الأمة العربية قاب قوسين أو أدنى من ميلاد الحلم الاتحاد العربي وتحويله إلى حقيقة واعدة بالكثير من الخيرات والموارد البشرية والطبيعة الكفيلة بالانتصار لما قدمه الآباء والأجداد من التضحيات النضالية الطويلة.