أوقفوا هذا العار.. إعلان إسرائيلي غاضب ضد ''توكل كرمان'' بسبب تصريحاتها الجريئة عن حرب غزة    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    انهيار جنوني .. لريال اليمني يصل إلى أدنى مستوى منذ سنوات وقفزة خيالية للدولار والريال السعودي    الإعلان عن مساعدات بريطانية ضخمة لليمن    موقف عامل يمني بسيط يرفع رؤوس اليمنيين في المملكة !!    عاجل: قبائل همدان بصنعاء تنتفض ضد مليشيات الحوثي وتسيطر على أطقم ومعدات حوثية دخلت القبيلة "شاهد"    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    الكشف عن ترتيبات أمريكية مؤلمة للحكومة الشرعية وقاسية على القضية الجنوبية    نهاية مأساوية لطبيبة سعودية بعد مناوبة في عملها لمدة 24 ساعة (الاسم والصور)    هل تتجه المنطقة نحو تصعيد عسكري جديد؟ كاتب صحفي يكشف ان اليمن مفتاح اللغز    البريمييرليغ: اليونايتد يتفوق على نيوكاسل    ظلام دامس يلف عدن: مشروع الكهرباء التجارية يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت وطأة الأزمة!    نجل قيادي حوثي يعتدي على مواطن في إب ويحاول ابتزازه    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    600 ألف فلسطيني نزحوا من رفح منذ تكثيف الهجوم الإسرائيلي    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    مليشيا الحوثي تواصل اختطاف خبيرين تربويين والحكومة تندد    تطور مفاجئ.. فريق سعودي يقدم عرضا ضخما لضم مبابي    اختتام البرنامج التدريبي لبناء قدرات الكوادر الشبابية في الحكومة    استعدادا لمواجهة البحرين.. المنتخب الوطني الأول يبدأ معسكره الداخلي في سيئون    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    بريطانيا تخصص 139 مليون جنيه استرليني لتمويل المساعدات الإنسانية في اليمن مميز    بائعات "اللحوح" والمخبوزات في الشارع.. كسرن نظرة العيب لمجابهة تداعيات الفقر والجوع مميز    يوفنتوس مصمم على التعاقد مع ريكاردو كالافيوري    وزارة الحج والعمرة السعودية توفر 15 دليلاً توعوياً ب 16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    كلوب يسخر من واقعة المشادة مع صلاح    العليمي يصل المنامة للمشاركة في القمة العربية    استقرار اسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأميركية    بمشاركة أهلي صنعاء.. تحديد موعد بطولة الأندية الخليجية    وزيرا المياه والصحة يبحثان مع البنك الدولي تمويل إضافي ب50 مليون دولار لمشروع رأس المال البشري مميز    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 35 ألفا و233 منذ 7 أكتوبر    نيمار يتصدر معدل صناعة الفرص في الدوري السعودي رغم غيابه! (فيديو)    الخطر الحقيقي على الجنوب وقضيته يكمن في معاشيق    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    «البلسم»تختتم حملتها الطبية في اليمن وتنجح في إجراء 251 عملية قلب مفتوح وقسطرة تداخلية للكبار والأطفال    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    قطع الطريق المؤدي إلى ''يافع''.. ومناشدات بتدخل عاجل    الرئيس الزُبيدي يقرر إعادة تشكيل تنفيذية انتقالي شبوة    عار على الجنوب وقيادته ما يمارسه الوغد رشاد كلفوت العليمي    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    ثنائية هالاند تُسحق ليفربول وتضع سيتي على عرش الدوري الإنجليزي!    وفاة امرأة وطفلها غرقًا في أحد البرك المائية في تعز    في الذكرى ال 76 للنكبة.. اتحاد نضال العمال الفلسطيني يجدد دعوته للوحدة الوطنية وانهاء الانقسام مميز    سنتكوم تعلن تدمير طائرتين مسيرتين وصاروخ مضاد للسفن فوق البحر الأحمر مميز    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    وصمة عار في جبين كل مسئول.. اخراج المرضى من أسرتهم إلى ساحات مستشفى الصداقة    بن عيدان يمنع تدمير أنبوب نفط شبوة وخصخصة قطاع s4 النفطي    أسرارٌ خفية وراء آية الكرسي قبل النوم تُذهلك!    ما معنى الانفصال:    البوم    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أربعون زيارة وألف حكاية ورواية الحلق28
اليمن واهل اليمن
نشر في الجمهورية يوم 17 - 07 - 2008

أحداث 13يناير محصلة طبيعة لتزاكم التناقضات والخلافات على مدى 23 عاماًاتفظلوا .. اتفظلوا
علي غرار الرئيس ابراهيم حمدي شرع الرئيس الجديد حسين الغاشمي الي تأكيد اهليته وباعه الثقافي وهو الذي لم يقرأ كتابا في حياته علي حد سخريات خصومه ، حين دعا اعضاء اتحاد الكتاب والادباء في شطري اليمن للقائه بالقصر الجمهوري عام 1977 ، وطال الاجتماع نحو ساعتين ، وعندما سألت الصديق القرشي عبد الله سلام سكرتير تحرير مجلة الحكمة عما دار من حوار مع الغاشمي في هذا اللقاء الطويلة ؟ .
وقال انهم طرحوا عليه قضايا الأدب والصحافة والابداع وإشكاليتها؟ وسألته وماذا كان موقف الغشمي من هذه القضايا ؟ قال القرشي : لم نسمع له صوتا سوى عبارة واحدة عند استقباله لنا “اتفظلوا” ثم ودعنا بنفس العبارة قائلا “اتفظلوا” !
الغشمي من منطقة ضلاع شمال اليمن وينتمي الى قبيلة “همدان” وكان من أكبر مزارعي “القات” ، وهو لم يلتحق بالكلية الحربية ومع ذلك وصل الى منصب رئيس اركان القوات المسلحة اليمنية ، اما لماذا وكيف نال رتبة المقدم وهي كانت اعلى الرتب العسكرية وقتئذ ، فلان العادة جرت بعد قيام الثورة توزيع الرتب العسكرية على ابناء مشايخ القبائل من باب كسب ولائهم واتقاء شرورهم !
عدن للعدنيين
من المتعين استبعاد القناعات السياسية التي سادت قبيل اندلاع ثورة 14 اكتوبر سواء بالتمنيات او الرؤى السياسية غير الوحدوية ، وإذا كانت عدن قد شهدت ميلاد حركة القوميين العرب وكذا حزب البعث كفروع للتنظيمات الام في سوريا ولبنان ، في الوقت الذي نشأت حركات وطنية مستقلة في الداخل ومثالها رابطة الجنوب وحزب الشعب واتحاد الشعب الديمقراطي ، وكذا الجمعية العدنية والجمعية الاسلامية في وقت سابق ، فذلك كان اهم العوامل التي افرزت عدة تيارات سياسية متباينة ومتناقضة من حيث المنهج والاهداف .. بين تيار يرفع شعار عدن للعدنيين واستقلالها بالتالي بمعزل عن بقية تراب الجنوب اليمني ، خاصة وان عدن كانت المستعمرة الثانية في الاهمية الاستراتيجية بعد بريطانيا ثم مستعمرة سنغافوره في المرتبة الثالثة ، بينما تيار آخر كان يدعو الى عزل الجنوب عن بقية الوطن اليمني الكبير ، لكن مع تطور فكرة الوطنية اليمنية وتداعيات القومية العربية الوحدوية التي حملت لواؤها ثورة 23 يوليو في مصر ، ثم نجاح الثورة السبتمبرية في شمال اليمن ، وشارك في الدفاع عنها المئات من شباب الجنوب وسقط منهم الشهداء .. من عدن وحضرموت وحتى المهرة ، من هنا اختلفت الخريطة السياسية وتباينت افكارها وتوجهاتها !
جدير بالذكر في هذا السياق التاريخي الاشارة الى دور ثورة 23 يوليو 1952 ، عندما فتحت ابوابها للمناضلين من ابناء الجنوب اليمني على اختلاف توجهاتهم السياسية ، وسمحت لهم بفتح مكاتب سياسية واعلامية للدعوة والتنوير !
من هنا تولد التيار الوحدوي في الجنوب اليمني مبكراً واكتسب اطاره الفكري والسياسي سواء عبر جبهة التحرير او ما كان يسمى انذاك “منظمة تحرير الجنوب المحتل” بزعامة عبد القوي مكاوي التي تأثرت على الصعيد الجماهيري بثورة 23 يوليو الناصرية ، وسواء عبر هيمنة الجبهة القومية على مقدرات النضال في مرحلته الاخيرة ضد الاحتلال البريطاني ، ثم استيلاؤها على مفاصل السلطة بشكل كامل بعد الاستقلال .
وإذا كان ابناء الجنوب قد تحملوا الى حد ما ضريبة الوطن والمصير الواحد عبر المشاركة في الدفاع عن ثورة سبتمبر ، لكن ثورة 14 اكتوبر لم تجد الدعم النضالي من الشمال اليمني على نحو متكافئ من الثورة ، ربما لأنه غرق في صراعات السلطة من جهة، ومقاومة النفوذ القبلي من جهة ، ثم العدوان الرجعي الامبريالي الذي بلغ ذروته في حصار السبعين يوما لصنعاء من جهة ثالثة !
ومع ذلك لم تعدم ثورة اكتوبر الدعم اللوجيستي والمادي والسياسي الذي قدمته مصر، ولعل العملية “صلاح الدين” التي ادارتها القوات المصرية في اليمن لتحرير الجنوب ابرز مثال على هذا الدعم !
وإذا كنا قد نوهنا بأن الرئيس علي ناصر محمد قد تلقى في شرخ شبابه دورة عسكرية في معهد الصاعقة المصرية بأنشاص عام 1960 ، ثم اتبعها بدورة اخرى في سلاح المهندسين ، فهو لم يكن وحده اليمني الذي كان موضع اعداد القيادة السياسية لثورة يوليو بانتظار اندلاع الثورة في شمال وفي جنوب اليمن ، كان معه ايضا علي سالم البيض وعلي عنتر وهاشم عمر اسماعيل ، وعبد الله المجعلي وعبد الكريم الذبيان وعبد الله مفلق ومحمد احمد البيشمي وبخيت مليط وآخرين !
أطول حوار في العالم
بعدها تمخضت الجبهة القومية عن قيام الحزب الطليعي ممثلا في الحزب الاشتراكي اليمني ، فكان بمثابة الاطار الجبهوري الجامع لغيره من الاحزاب والتنظيمات الصغيرة التي ظلت نشطه على الساحة السياسية وبينها حزب الطليعة الشعبية بعد ان فك ارتباطه بحزب البعث وغيره من فضائل العمل الوطني .. حيث استغرق الحوار بين الجبهة القومية وبينها زهاء خمس سنوات متصلة ، الى حد وصف سالم ربيع على الامين المساعد للجبهة القومية انذاك بانه “اطول حوار في العالم .. في اصغر دولة في العالم” !
وهكذا في الخامس من نوفمبر 1975 ، كان عقد المؤتمر التوحيدي وقيام التنظيم السياسي الموحد تحت مسمى “الجبهة القومية في الحادي عشر من اكتوبر 1975 وهو النسيج الذي شكل الحزب الاشتراكي في اليمن ، بينما ظل لحركة القوميين فرع في شمال اليمن .
ومما لاشك فيه ان عبد الفتاح اسماعيل لعب دورا فكريا وسياسيا وتنظيميا مقدرا وراء هذه التحولات التي شابها الاخطاء السياسية بل والتصفيات الجسدية ، وهو الامر الذي دعا المرحوم جار الله عمر الى تبني الدعوة للمراجعة ونقد الذات ، خاصة وان دستور الدولة الوحدة الوشيكة ، كان يعزز من نهج الديمقراطية والشفافية والتعددية السياسية .
وإذا كان عبد الفتاح اسماعيل قد نال من التكريم لدوره عبر التعزيز من سلطاته ، حيث اصبح رئيسا للدولة وامينا عام للحزب الاشتراكي ، الا انه اخفق خلال عامين من حكمه في إثارة الحيوية والفاعالية في النواحي الادارية والاقتصادية والخدمية للدولة ، اذ كانت محصلة وعيه وثقافته النظرية بعيدة عمليا عن الجانب التطبيقي ، والاخفاق بالتالي في التوصل الى حلول صحيحة للمشكلات .. وهكذا لم يجد عبد الفتاح اسماعيل بدا في النهاية من الخضوع لنصائح وضغوط الرفاق باجماع الاصوات في اللجنة المركزية حيث قدم استقالته ثم الانعام عليه بوسام 14 اكتوبر في حفل كبير اقيم في دار الرئاسة في سابقه لم يحظ بها رئيس سابق ، ولعل هذا الخيار اعفاه او نجاه من مصير المواجهة والصدام السياسي الذي ادى الى اغتيال سالم ربيع علي !
لكن عبد الفتاح اسماعيل لم يستسلم وهو في منفاه الدراسي بالاتحاد السوفيتي وراح من وراء الستار يجتذب الانصار ايذانا بعقد المؤتمر الثالث للحزب الاشتراكي ، وللاسف انه جر المؤسسات العسكرية والامنية والمدنية لجولة جديدة من الصراع .. وعبثا تدخلت مرجعيات يمنية وشخصيات عربية ودولية لتجنب الصدم ، لكن هكذا وقعت احداث 13 يناير 1986 المفجعة كمحصلة طبيعية لتراكم المتناقضات والخلافات على مدى 23 عاماً من عمر ثورة اكتوبر 1963 سواء داخل التنظيم السياسي او مؤسسات الدولة ، واليىحد سقوط 13 الف قتيل وحجم من الخسائر المادية بلغ 40 مليون دينار والى انهيار الغطاء النقدي للدينار اليمني الى حدود 17 مليوناً بينهما كان 120 مليونا عام 1985 ، اضافة الى كارثة انقسام ولاءات القوات المسلحة بين علي ناصر وبين جماع الارادات السياسية داخل الحزب الاشتراكي ، والادهى والامر ان اهوال الحرب الاهلية بين الرفاق واحتمال تجددها ادي الى نزوح ما يفوق عن مائة الف مواطن الى الخارج ، بينهم اعداد كبيرة من العسكريين بكامل اسلحتهم البرية والجوية والبحرية ، غير الكوادر المؤهلة في شتى التخصصات .
لكن المأساة لم تتوقف عند هذا الحد ، اذ فضل عن الشرخ السياسي الخطير ، فقد صاحبه شرخ اكثر خطورة على صعيد الوحدة الوطنية ، عبر التنكيل بأنصار علي ناصر وعائلاتهم بمعيار الانتماءات المناطقية ، الى حد حرمان ابنا “أبين” مسقط رأسه من حق العمل والتعليم والعلاج والسكن والخدمة العسكرية والفصل من الحزب مع استمرار اعمال الملاحقة والاعتقال والتصفيات الجسدية وهو ما ادى بالتالي الى عزوف المغتربين عن مواصلة تحويلاتهم من العملة الصعبة بنسبة 37% ، فكان توقف العديد من المصانع تباعا نتيجة العجز عن استيراد المواد الخام اللازمة لها وشح المواد الاستهلاكية الضرورية من الأسواق .. الخ .
عدن .. هادعوه
عام 1977 كنت في الصومال وهي تستعد لخوض غمار حرب تحرير اقليم الصومال الغربي المعروف ب “الاوجادين” من الاحتلال الاثيوبي ، والتقيت بالرئيس سيادبري وكان في قمة الغضب والتوتر لان الاتحاد السوفيتي شرع الى تغيير بوصلة دعمه للصومال الاشتراكي الى اثيوبيا الشيوعية إثر وصول منجستو هيلي ماريام الى سدة الحكم في اديس ابابا..
ثم لم يمض سوى وقت لا يتجاوز نصف ساعة على لقائي بالرئيس الصومالي وحواري معه ، حتى افضى لي بسر خطير :
قال انه تلقى منذ اسبوع دعوة من الرئيس الكوبي فيديل كاسترد للاجتماع به في عدن على وجه السرعة والاهمية ، وهناك وجد في انتظاره مؤتمر قمة يجمعه وكاسترو ومنجستو ورئيس اليمن الديمقراطي سالم ربيع علي ، وكان المطلوب منه تحديدا التراجع عن خوض الصومال معركتها الوشيكة لتحرير الاوجادين ، الى حد ان كاسترو هدده بشكل غير مباشر قائلا بأن بلاده والاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية برمتها لن تقف مكتوفة اليدين .. ولن تسمح بهزيمة اثيوبيا الشيوعية ، بينما البديل الذي عرضه كاسترو يكمن في التحالف السياسي والاستراتيجي بين الصومال واثيوبيا واليمن الديمقراطي .. مع السماح بعلاقات اجتماعية وثقافية بين الشعب في الاوجادين والشعب في الوطن الام الصومال !
وعندما سألت سيادبري : وماذا كان عليه موقفك اذن ؟
قال : بالطبع رفضت عرض الحلف الاستراتيجي لانه مغلف بالاذعان السافر والتهديد الضمني ، بما لا نقبله على سيادة الصومال وكرامته ووحدة أراضيه التاريخية .. وسوف نتخذ في غضون الساعات القادمة الرد المناسب !
لم يمض سوى 24 ساعة على لقائي مع سيادبري .. حتى وصل الى سمعنا ظهر اليوم التالي نداءات عبر ميكروفونات سيارات عابرة في الشوارع المجاورة لفندق “جوبا” ، تدعو المواطنين الى التجمع فور في استاد مقديشيو الرياضي للاستماع الى خطاب سياسي هام للرئيس سيادبري!
نزلنا وزميلي الكاتب الكبير محمد عودة وتوجهنا مع الجماهير الغفيرة صوب استاد مقديشيو ، ودارت حلقات الرقص حول ساحة الاستاد بينما الجماهير تهتف من اعماقها بنداءات غامضة تنتهي بعبارة “هادعوه” .. كوبا “هادعوه” .. اثيوبيا “هادعوه” .. عدن “هادعوه” ، وترجم لنا المرافق هذه العبارة من الصومالية الى العربية وكانت تعني الهتاف بالسقوط للنظم الثلاث .
من مقديشيوت وجهنا الى مدينة “هيرجسيا” .. ومنها دخلنا الى اقليم الاوجادين حتى وصلنا الى منطقة “جيج” حيث كانت تدور المعركة الفاصلة بين حركة تحرير الصومال الغربي مدعومة من الجيش الصومالي وبين القوات الاثيوبية . .كانت الدلائل ومختلف الشواهد تشي بالهزيمة النكراء المتوقعة للصوماليين ، فقد تمكنت القوات الاثيوبية من تحطيم دفاعات الصوماليين بعد ان كانوا قد تمكنوا من تحرير 85% من مساحة الاوجادين ، وكانت الطائرات العسكرية الصومالية والمدرعات المحطمة تؤكد هذه النتيجة بما لا يدع مجالا للشك .. بعدها عدنا الى مقديشيو والتقينا بالسفير المصري عبد العزيز خيرت والملحق العسكري المصري اللواء احمد عبد الحليم “ المعلق العسكري والباحث الاستراتيجي الأن” ، واكدا كذلك ما شهدناه ميدانيا على ارض المعركة ، وأنهما كانا على علم باجتماع قمة عدن بين كاسترو وسيادبري ومنجستو وسالم ربيع علي ، لكنهما تحفظا في البوح بما نما الى علمهما حول ما دار في هذه القمة .. ثم اضافا الى علمنا دخول قوي خارجية الى ساحة المعركة في الاوجادين الى جانب القوات الاثيوبية .. وحتى ازاحت الصحافة البريطانية والايطالية والفرنسية اول المعلومات والتفاصيل عن مشاركة قوات مقاتلة من اليمن الديمقراطي الى جانب القوات الاثيوبية كان بينها الدعم الجوي والمشاه الميكانيكية !
اتفاقية سرية بين دول جبهة الصمود
والشاهد ان ستار السرية والتعتيم على دور اليمن الديمقراطي في دعم القوات الاثيوبية ضد الصومال ، إذا بنفس الظاهرة تتكرر عبر المعاهدة التي وقعتها جمهورية اليمن الديمقراطي اوائل الثمانينات في عدن مع كل من ليبيا واثيوبيا تحت مسمى “اتفاقية الصداقة والتعاون المشترك حول القضايا السياسية الخارجية” .
وقد تردد ان ليبيا كانت الساعية الى هذه الاتفاقية بدعوى توسيع جبهة الصمود والتصدي التي قامت في اعقاب زيارة الرئيس انور السادات وتوقيعه على اتفاقية “كامب ديفيد” ، وكانت تضم وقتئذ كل من سوريا واليمن الديمقراطي والجزائر ومنظمة التحرير الفلسطينية ، لكن سوريا والمنظمة والجزائر كانت لهما تحفظات على هذا الحلف وانسحبوا قبل توقيع المعاهدة التي شجع عليها الاتحاد السوفيتي تعزيزا لوجوده في المنطقة اضافة الى توريد السلاح السوفيتي المطلوب والذي تكلفت ليبيا بتحويل صفقات شرائه .
وكانت مجلة “المجلة” التي تصدر في لندن صاحبة السبق الصحفي حينما انفردت بنشر النص الكامل لتلك المعاهدة السرية بعد مضي عام كامل على توقيعها “ حيث تبدأ بديباجه او مقدمة تقول :
نظرا للمؤامرة المنسقة للقوى الامبريالية الدولية والصهيونية والعنصرية وقوى الرجعية لتطويق وخنق وقلب ثورات بلدانهم الثلاثة ، ونظرا لمحاولات هذه القوى المستمرة لاعاقة تدفق ثرواتهم الطبيعية عن طريق وضع القارة الافريقية ودول العالم العربي تحت نفوذها وسيطرتها ، وايمانا بان اتحاد وتعاون هذه الدول الثورية الثلاث في المجالات السياسية والاقتصادية وغيرها من المجالات ، لزيادة قوة هذه الدول الثلاث ضد الامبريالية والرجعية والصهيونية ، وبما ان النضال العام الذي يخوضونه في هذه المجالات سيعود بالفائدة لا على شعوبهم فحسب ولكن سيشمل ايضا سلام المنطقة والقوى التقدمية في العالم وجميع حركات الاستقلال ، وتأكيدا لرغبتهم القوية في حماية وحدتهم الاقليمية ضد العدوان ولحماية حريتهم ووحدتهم القومية والاقليمية ولحماية ثرواتهم من الثورات المضادة ، ولصياغة تجاربهم الثورية بشكل اوثق ، ولدعم تجربة النضال التي تخوضها شعوبهم ، ولزيادة تعزيز جهودهم الرامية الى مقاومة جميع انواع الاضطهاد ، ونظرا الى الحاجة الى اقامة التعاون والصداقة والتنسيق بين الثورات الثلاث في مختلف المجالات ، مع التأكيد مرة أخرى انهم سيلتزمون بميثاق ومبادئ الامم المتحدة ومبادئ دول حركة عدم الانحياز ومواثيق المنظمات القارية التي تنتمي اليها الدول الثلاث بالعضوية فان اثيوبيا الاشتراكية واليمن الجنوبي وليبيا قد قررت المعاهدة التالية :
مادة (1) تتعاون الاطراف الثلاثة الموقعة على المعاهدة في المجالات السياسية والاقتصادية وغيرها من المجالات وذلك ليكون بمقدورها التنسيق في ما بينها لمواجهة الامبريالية والرجعية والصهيونية والتفرقة العنصرية .
مادة (2) تتعاون الاطراف الثلاثة الموقعة على المعاهدة في المجال السياسي لضمان وحدة النضال بين الدول الثورية الثلاث .
مادة (3) تتعاون الاطراف الثلاثة الموقعة على المعاهدة للتنسيق في ما بينها لاحباط المؤامرات التي تحيكها الامبريالية والصهيونية والقوى الرجعية والتي تهدف الى خنق القوى والدول التقدمية وذلك عن طريق تقوية قواها العسكرية وكذلك انشاء وتوسيع القواعد العسكرية في الدول الواقعة في المحيط الهندي والبحر الابيض والبحر الاحمر ودول المنطقة .
مادة (4) تدين الاطراف الثلاثة الموقعة على المعاهدة مؤامرات وتحالف اتفاقيات كامب ديفيد .
مادة (5) كررت الاطراف الثلاثة الموقعة على المعاهدة تضامنها مع حركات التحرير العربية والافريقية وغيرها وتضامنها وخاصة مع الثورة الفلسطينية وثورات كل من ناميبيا وجنوب أفريقيا في نضالها الذي تخوضه ضد الامبريالية والصهيونية والرجعية والتفرقة العنصرية .
مادة (6) تتبادل الاطراف الثلاثة الموقعة على المعاهدة في ما بينها الافكار ليكون بمقدورها تنسيق مواقفها من الموضوعات الدولية والقارية .
مادة (7) تبذل الاطراف الثلاثة الموقعة علي المعاهدة اقصي جهدها لتقوية وتعميق اواصر علاقاتها مع القوى والدول التقدمية في المنطقة وكذلك مع الدول الاشتراكية .
مادة (8) يتم تشكيل لجنة سياسية تضم كلا من وزير خارجية اثيوبيا الاشتراكية وامين مكتب العلاقات الخارجية للجماهيرية الليبية ووزير خارجية اليمن الجنوبية .
مادة (9) تكون مهمة اللجنة السياسية كما يلي :
1-مراقبة تنفيذ الخطوط السياسية الموضوعة .
2-اعطاء الاراء والافكار للمجلس الاعلى بشأن كيفية تطوير التعاون السياسي .
3-الاعداد لاجتماعات المجلس الاعلى .
4-واخيرا تنفيذ الواجبات الاتفاقية المنوطة باللجنة السياسية .
و..حتى ينتهي نص المعاهدة بالمادة رقم 38 التي تشير الى انه في حالة رغبة احد الاطراف الموقعة على المعاهدة في الانسحاب ، فيستطيع فعل ذلك ولكن عليه ان يخطر حكومة اليمن الجنوبي كتابيا قبيل عام من انسحابه ، وبالتالي تقوم حكومة اليمن الجنوبي بابلاغ بقية الاطراف ، وسيتم طبع ثلاث نسخ من هذه المعاهدة باللغات الامهرية والعربية والانكليزية وجميع هذه اللغات التي تكتب بها المعاهدة مقبولة تماما وبنفس الدرجة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.