الأحزاب والمكوّنات السياسية تدعو المجلس الرئاسي إلى حماية مؤسسات الدولة وتحمل مسؤولياته الوطنية    المدير التنفيذي للجمعية اليمنية للإعلام الرياضي بشير سنان يكرم الزملاء المصوّرين الصحفيين الذين شاركوا في تغطية بطولات كبرى أُقيمت في دولة قطر عام 2025    الصحفي المتخصص بالإعلام الاقتصادي نجيب إسماعيل نجيب العدوفي ..    الصحفي المتخصص بالإعلام الاقتصادي نجيب إسماعيل نجيب العدوفي ..    المرتضى: تم التوقيع على اتفاق انتشال وتسليم الجثامين من كل الجبهات والمناطق    ذمار.. مقتل مواطن برصاص راجع إثر اشتباك عائلي مع نجله    النائب العام يأمر بالتحقيق في اكتشاف محطات تكرير مخالفة بالخشعة    الجزائر تفتتح مشوارها بأمم إفريقيا بفوز ساحق على السودان"    فتح ذمار يفوز على فريق 22 مايو واتحاد حضرموت يعتلي صدارة المجموعة الثالثة في دوري الدرجة الثانية    مجلس الأمن يطالب بالإفراج الفوري عن موظفي الأمم المتحدة المحتجزين لدى سلطة صنعاء    علماء وخطباء المحويت يدعون لنصرة القرآن وفلسطين    تعود لاكثر من 300 عام : اكتشاف قبور اثرية وتحديد هويتها في ذمار    ضبط محطات غير قانونية لتكرير المشتقات النفطية في الخشعة بحضرموت    مؤسسة الاتصالات تكرم أصحاب قصص النجاح من المعاقين ذوي الهمم    شباب عبس يتجاوز حسيني لحج في تجمع الحديدة وشباب البيضاء يتجاوز وحدة حضرموت في تجمع لودر    القاعدة تضع السعودية والإمارات في مرمى العداء وتستحضر حديثًا لتبرير العنف في أبين وشبوة    تحذيرات للمزارعين مما سيحدث الليلة وغدا ..!    الشيخ أمين البرعي يعزي محافظ الحديدة اللواء عبدالله عطيفي في وفاة عمه احمد عطيفي    شبوة تنصب الواسط في خيمة الجنوب    الدولار يتجه نحو أسوأ أداء سنوي له منذ أكثر من 20 عاما    الرئيس الزُبيدي: نثمن دور الإمارات التنموي والإنساني    مصلحة الجمارك تؤيد خطوات الرئيس الزُبيدي لإعلان دولة الجنوب    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل في مشروع سد حسان بمحافظة أبين    لملس يتفقد سير أعمال تأهيل مكتب التعليم الفني بالعاصمة عدن    أبناء العمري وأسرة شهيد الواجب عبدالحكيم فاضل أحمد فريد العمري يشكرون رئيس انتقالي لحج على مواساته    سوريا.. قوة إسرائيلية تتوغل بريف درعا وتعتقل شابين    الحديدة تدشن فعاليات جمعة رجب بلقاء موسع يجمع العلماء والقيادات    هيئة الزكاة تدشن برامج صحية واجتماعية جديدة في صعدة    السلطة المحلية بمحافظة لحج تعلن دعمها الكامل لقرارات الرئيس عيدروس الزبيدي واستعادة دولة الجنوب    "أهازيج البراعم".. إصدار شعري جديد للأطفال يصدر في صنعاء    رئيس مجلس الشورى يعزي في وفاة الدكتور "بامشموس"    هدوء في البورصات الأوروبية بمناسبة العطلات بعد سلسلة مستويات قياسية    دور الهيئة النسائية في ترسيخ قيم "جمعة رجب" وحماية المجتمع من طمس الهوية    تحذير طبي برودة القدمين المستمرة تنذر بأمراض خطيرة    سياسي عماني: خيبة أمل الشرعية من بيان مجلس الأمن.. بيان صحفي لا قرار ملزم ولا نصر سياسي    تضامن حضرموت يواجه مساء اليوم النهضة العماني في كأس الخليج للأندية    حوادث الطيران وضحاياها في 2025    اختتام دورة تدريبية لفرسان التنمية في مديريتي الملاجم وردمان في محافظة البيضاء    تونس تضرب أوغندا بثلاثية    إغلاق مطار سقطرى وإلغاء رحلة قادمة من أبوظبي    قراءة أدبية وسياسية لنص "الحب الخائب يكتب للريح" ل"أحمد سيف حاشد"    البنك المركزي يوقف تراخيص فروع شركات صرافة بعدن ومأرب    خطوة إنسانية تخفف المعاناة.. السعودية ترحب باتفاق تبادل الأسرى والمحتجزين    الفواكه المجففة تمنح الطاقة والدفء في الشتاء    هيئة الآثار: نقوش سبأ القديمة تتعرض للاقتلاع والتهريب    تكريم الفائزات ببطولة الرماية المفتوحة في صنعاء    مستشار الرئيس الاماراتي : حق تقرير المصير في الجنوب إرادة أهله وليس الإمارات    فقيد الوطن و الساحه الفنية الشاعر سالم أحمد بامطرف    هيئة المواصفات والمقاييس تحذر من منتج حليب أطفال ملوث ببكتيريا خطرة    صلاح ومرموش يقودان منتخب مصر لإحباط مفاجأة زيمبابوي    الخارجية الروسية: روسيا تؤكد تضامنها مع فنزويلا على خلفية التصعيد في البحر الكاريبي    فنان تشكيلي يتلقى إشعاراً بإخلاء مسكنه في صنعاء ويعرض لوحاته للبيع    تحذيرات طبية من خطورة تجمعات مياه المجاري في عدد من الأحياء بمدينة إب    مرض الفشل الكلوي (33)    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    تحرير حضرموت: اللطمة التي أفقدت قوى الاحتلال صوابها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أربعون زيارة وألف حكاية ورواية الحلق28
اليمن واهل اليمن
نشر في الجمهورية يوم 17 - 07 - 2008

أحداث 13يناير محصلة طبيعة لتزاكم التناقضات والخلافات على مدى 23 عاماًاتفظلوا .. اتفظلوا
علي غرار الرئيس ابراهيم حمدي شرع الرئيس الجديد حسين الغاشمي الي تأكيد اهليته وباعه الثقافي وهو الذي لم يقرأ كتابا في حياته علي حد سخريات خصومه ، حين دعا اعضاء اتحاد الكتاب والادباء في شطري اليمن للقائه بالقصر الجمهوري عام 1977 ، وطال الاجتماع نحو ساعتين ، وعندما سألت الصديق القرشي عبد الله سلام سكرتير تحرير مجلة الحكمة عما دار من حوار مع الغاشمي في هذا اللقاء الطويلة ؟ .
وقال انهم طرحوا عليه قضايا الأدب والصحافة والابداع وإشكاليتها؟ وسألته وماذا كان موقف الغشمي من هذه القضايا ؟ قال القرشي : لم نسمع له صوتا سوى عبارة واحدة عند استقباله لنا “اتفظلوا” ثم ودعنا بنفس العبارة قائلا “اتفظلوا” !
الغشمي من منطقة ضلاع شمال اليمن وينتمي الى قبيلة “همدان” وكان من أكبر مزارعي “القات” ، وهو لم يلتحق بالكلية الحربية ومع ذلك وصل الى منصب رئيس اركان القوات المسلحة اليمنية ، اما لماذا وكيف نال رتبة المقدم وهي كانت اعلى الرتب العسكرية وقتئذ ، فلان العادة جرت بعد قيام الثورة توزيع الرتب العسكرية على ابناء مشايخ القبائل من باب كسب ولائهم واتقاء شرورهم !
عدن للعدنيين
من المتعين استبعاد القناعات السياسية التي سادت قبيل اندلاع ثورة 14 اكتوبر سواء بالتمنيات او الرؤى السياسية غير الوحدوية ، وإذا كانت عدن قد شهدت ميلاد حركة القوميين العرب وكذا حزب البعث كفروع للتنظيمات الام في سوريا ولبنان ، في الوقت الذي نشأت حركات وطنية مستقلة في الداخل ومثالها رابطة الجنوب وحزب الشعب واتحاد الشعب الديمقراطي ، وكذا الجمعية العدنية والجمعية الاسلامية في وقت سابق ، فذلك كان اهم العوامل التي افرزت عدة تيارات سياسية متباينة ومتناقضة من حيث المنهج والاهداف .. بين تيار يرفع شعار عدن للعدنيين واستقلالها بالتالي بمعزل عن بقية تراب الجنوب اليمني ، خاصة وان عدن كانت المستعمرة الثانية في الاهمية الاستراتيجية بعد بريطانيا ثم مستعمرة سنغافوره في المرتبة الثالثة ، بينما تيار آخر كان يدعو الى عزل الجنوب عن بقية الوطن اليمني الكبير ، لكن مع تطور فكرة الوطنية اليمنية وتداعيات القومية العربية الوحدوية التي حملت لواؤها ثورة 23 يوليو في مصر ، ثم نجاح الثورة السبتمبرية في شمال اليمن ، وشارك في الدفاع عنها المئات من شباب الجنوب وسقط منهم الشهداء .. من عدن وحضرموت وحتى المهرة ، من هنا اختلفت الخريطة السياسية وتباينت افكارها وتوجهاتها !
جدير بالذكر في هذا السياق التاريخي الاشارة الى دور ثورة 23 يوليو 1952 ، عندما فتحت ابوابها للمناضلين من ابناء الجنوب اليمني على اختلاف توجهاتهم السياسية ، وسمحت لهم بفتح مكاتب سياسية واعلامية للدعوة والتنوير !
من هنا تولد التيار الوحدوي في الجنوب اليمني مبكراً واكتسب اطاره الفكري والسياسي سواء عبر جبهة التحرير او ما كان يسمى انذاك “منظمة تحرير الجنوب المحتل” بزعامة عبد القوي مكاوي التي تأثرت على الصعيد الجماهيري بثورة 23 يوليو الناصرية ، وسواء عبر هيمنة الجبهة القومية على مقدرات النضال في مرحلته الاخيرة ضد الاحتلال البريطاني ، ثم استيلاؤها على مفاصل السلطة بشكل كامل بعد الاستقلال .
وإذا كان ابناء الجنوب قد تحملوا الى حد ما ضريبة الوطن والمصير الواحد عبر المشاركة في الدفاع عن ثورة سبتمبر ، لكن ثورة 14 اكتوبر لم تجد الدعم النضالي من الشمال اليمني على نحو متكافئ من الثورة ، ربما لأنه غرق في صراعات السلطة من جهة، ومقاومة النفوذ القبلي من جهة ، ثم العدوان الرجعي الامبريالي الذي بلغ ذروته في حصار السبعين يوما لصنعاء من جهة ثالثة !
ومع ذلك لم تعدم ثورة اكتوبر الدعم اللوجيستي والمادي والسياسي الذي قدمته مصر، ولعل العملية “صلاح الدين” التي ادارتها القوات المصرية في اليمن لتحرير الجنوب ابرز مثال على هذا الدعم !
وإذا كنا قد نوهنا بأن الرئيس علي ناصر محمد قد تلقى في شرخ شبابه دورة عسكرية في معهد الصاعقة المصرية بأنشاص عام 1960 ، ثم اتبعها بدورة اخرى في سلاح المهندسين ، فهو لم يكن وحده اليمني الذي كان موضع اعداد القيادة السياسية لثورة يوليو بانتظار اندلاع الثورة في شمال وفي جنوب اليمن ، كان معه ايضا علي سالم البيض وعلي عنتر وهاشم عمر اسماعيل ، وعبد الله المجعلي وعبد الكريم الذبيان وعبد الله مفلق ومحمد احمد البيشمي وبخيت مليط وآخرين !
أطول حوار في العالم
بعدها تمخضت الجبهة القومية عن قيام الحزب الطليعي ممثلا في الحزب الاشتراكي اليمني ، فكان بمثابة الاطار الجبهوري الجامع لغيره من الاحزاب والتنظيمات الصغيرة التي ظلت نشطه على الساحة السياسية وبينها حزب الطليعة الشعبية بعد ان فك ارتباطه بحزب البعث وغيره من فضائل العمل الوطني .. حيث استغرق الحوار بين الجبهة القومية وبينها زهاء خمس سنوات متصلة ، الى حد وصف سالم ربيع على الامين المساعد للجبهة القومية انذاك بانه “اطول حوار في العالم .. في اصغر دولة في العالم” !
وهكذا في الخامس من نوفمبر 1975 ، كان عقد المؤتمر التوحيدي وقيام التنظيم السياسي الموحد تحت مسمى “الجبهة القومية في الحادي عشر من اكتوبر 1975 وهو النسيج الذي شكل الحزب الاشتراكي في اليمن ، بينما ظل لحركة القوميين فرع في شمال اليمن .
ومما لاشك فيه ان عبد الفتاح اسماعيل لعب دورا فكريا وسياسيا وتنظيميا مقدرا وراء هذه التحولات التي شابها الاخطاء السياسية بل والتصفيات الجسدية ، وهو الامر الذي دعا المرحوم جار الله عمر الى تبني الدعوة للمراجعة ونقد الذات ، خاصة وان دستور الدولة الوحدة الوشيكة ، كان يعزز من نهج الديمقراطية والشفافية والتعددية السياسية .
وإذا كان عبد الفتاح اسماعيل قد نال من التكريم لدوره عبر التعزيز من سلطاته ، حيث اصبح رئيسا للدولة وامينا عام للحزب الاشتراكي ، الا انه اخفق خلال عامين من حكمه في إثارة الحيوية والفاعالية في النواحي الادارية والاقتصادية والخدمية للدولة ، اذ كانت محصلة وعيه وثقافته النظرية بعيدة عمليا عن الجانب التطبيقي ، والاخفاق بالتالي في التوصل الى حلول صحيحة للمشكلات .. وهكذا لم يجد عبد الفتاح اسماعيل بدا في النهاية من الخضوع لنصائح وضغوط الرفاق باجماع الاصوات في اللجنة المركزية حيث قدم استقالته ثم الانعام عليه بوسام 14 اكتوبر في حفل كبير اقيم في دار الرئاسة في سابقه لم يحظ بها رئيس سابق ، ولعل هذا الخيار اعفاه او نجاه من مصير المواجهة والصدام السياسي الذي ادى الى اغتيال سالم ربيع علي !
لكن عبد الفتاح اسماعيل لم يستسلم وهو في منفاه الدراسي بالاتحاد السوفيتي وراح من وراء الستار يجتذب الانصار ايذانا بعقد المؤتمر الثالث للحزب الاشتراكي ، وللاسف انه جر المؤسسات العسكرية والامنية والمدنية لجولة جديدة من الصراع .. وعبثا تدخلت مرجعيات يمنية وشخصيات عربية ودولية لتجنب الصدم ، لكن هكذا وقعت احداث 13 يناير 1986 المفجعة كمحصلة طبيعية لتراكم المتناقضات والخلافات على مدى 23 عاماً من عمر ثورة اكتوبر 1963 سواء داخل التنظيم السياسي او مؤسسات الدولة ، واليىحد سقوط 13 الف قتيل وحجم من الخسائر المادية بلغ 40 مليون دينار والى انهيار الغطاء النقدي للدينار اليمني الى حدود 17 مليوناً بينهما كان 120 مليونا عام 1985 ، اضافة الى كارثة انقسام ولاءات القوات المسلحة بين علي ناصر وبين جماع الارادات السياسية داخل الحزب الاشتراكي ، والادهى والامر ان اهوال الحرب الاهلية بين الرفاق واحتمال تجددها ادي الى نزوح ما يفوق عن مائة الف مواطن الى الخارج ، بينهم اعداد كبيرة من العسكريين بكامل اسلحتهم البرية والجوية والبحرية ، غير الكوادر المؤهلة في شتى التخصصات .
لكن المأساة لم تتوقف عند هذا الحد ، اذ فضل عن الشرخ السياسي الخطير ، فقد صاحبه شرخ اكثر خطورة على صعيد الوحدة الوطنية ، عبر التنكيل بأنصار علي ناصر وعائلاتهم بمعيار الانتماءات المناطقية ، الى حد حرمان ابنا “أبين” مسقط رأسه من حق العمل والتعليم والعلاج والسكن والخدمة العسكرية والفصل من الحزب مع استمرار اعمال الملاحقة والاعتقال والتصفيات الجسدية وهو ما ادى بالتالي الى عزوف المغتربين عن مواصلة تحويلاتهم من العملة الصعبة بنسبة 37% ، فكان توقف العديد من المصانع تباعا نتيجة العجز عن استيراد المواد الخام اللازمة لها وشح المواد الاستهلاكية الضرورية من الأسواق .. الخ .
عدن .. هادعوه
عام 1977 كنت في الصومال وهي تستعد لخوض غمار حرب تحرير اقليم الصومال الغربي المعروف ب “الاوجادين” من الاحتلال الاثيوبي ، والتقيت بالرئيس سيادبري وكان في قمة الغضب والتوتر لان الاتحاد السوفيتي شرع الى تغيير بوصلة دعمه للصومال الاشتراكي الى اثيوبيا الشيوعية إثر وصول منجستو هيلي ماريام الى سدة الحكم في اديس ابابا..
ثم لم يمض سوى وقت لا يتجاوز نصف ساعة على لقائي بالرئيس الصومالي وحواري معه ، حتى افضى لي بسر خطير :
قال انه تلقى منذ اسبوع دعوة من الرئيس الكوبي فيديل كاسترد للاجتماع به في عدن على وجه السرعة والاهمية ، وهناك وجد في انتظاره مؤتمر قمة يجمعه وكاسترو ومنجستو ورئيس اليمن الديمقراطي سالم ربيع علي ، وكان المطلوب منه تحديدا التراجع عن خوض الصومال معركتها الوشيكة لتحرير الاوجادين ، الى حد ان كاسترو هدده بشكل غير مباشر قائلا بأن بلاده والاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية برمتها لن تقف مكتوفة اليدين .. ولن تسمح بهزيمة اثيوبيا الشيوعية ، بينما البديل الذي عرضه كاسترو يكمن في التحالف السياسي والاستراتيجي بين الصومال واثيوبيا واليمن الديمقراطي .. مع السماح بعلاقات اجتماعية وثقافية بين الشعب في الاوجادين والشعب في الوطن الام الصومال !
وعندما سألت سيادبري : وماذا كان عليه موقفك اذن ؟
قال : بالطبع رفضت عرض الحلف الاستراتيجي لانه مغلف بالاذعان السافر والتهديد الضمني ، بما لا نقبله على سيادة الصومال وكرامته ووحدة أراضيه التاريخية .. وسوف نتخذ في غضون الساعات القادمة الرد المناسب !
لم يمض سوى 24 ساعة على لقائي مع سيادبري .. حتى وصل الى سمعنا ظهر اليوم التالي نداءات عبر ميكروفونات سيارات عابرة في الشوارع المجاورة لفندق “جوبا” ، تدعو المواطنين الى التجمع فور في استاد مقديشيو الرياضي للاستماع الى خطاب سياسي هام للرئيس سيادبري!
نزلنا وزميلي الكاتب الكبير محمد عودة وتوجهنا مع الجماهير الغفيرة صوب استاد مقديشيو ، ودارت حلقات الرقص حول ساحة الاستاد بينما الجماهير تهتف من اعماقها بنداءات غامضة تنتهي بعبارة “هادعوه” .. كوبا “هادعوه” .. اثيوبيا “هادعوه” .. عدن “هادعوه” ، وترجم لنا المرافق هذه العبارة من الصومالية الى العربية وكانت تعني الهتاف بالسقوط للنظم الثلاث .
من مقديشيوت وجهنا الى مدينة “هيرجسيا” .. ومنها دخلنا الى اقليم الاوجادين حتى وصلنا الى منطقة “جيج” حيث كانت تدور المعركة الفاصلة بين حركة تحرير الصومال الغربي مدعومة من الجيش الصومالي وبين القوات الاثيوبية . .كانت الدلائل ومختلف الشواهد تشي بالهزيمة النكراء المتوقعة للصوماليين ، فقد تمكنت القوات الاثيوبية من تحطيم دفاعات الصوماليين بعد ان كانوا قد تمكنوا من تحرير 85% من مساحة الاوجادين ، وكانت الطائرات العسكرية الصومالية والمدرعات المحطمة تؤكد هذه النتيجة بما لا يدع مجالا للشك .. بعدها عدنا الى مقديشيو والتقينا بالسفير المصري عبد العزيز خيرت والملحق العسكري المصري اللواء احمد عبد الحليم “ المعلق العسكري والباحث الاستراتيجي الأن” ، واكدا كذلك ما شهدناه ميدانيا على ارض المعركة ، وأنهما كانا على علم باجتماع قمة عدن بين كاسترو وسيادبري ومنجستو وسالم ربيع علي ، لكنهما تحفظا في البوح بما نما الى علمهما حول ما دار في هذه القمة .. ثم اضافا الى علمنا دخول قوي خارجية الى ساحة المعركة في الاوجادين الى جانب القوات الاثيوبية .. وحتى ازاحت الصحافة البريطانية والايطالية والفرنسية اول المعلومات والتفاصيل عن مشاركة قوات مقاتلة من اليمن الديمقراطي الى جانب القوات الاثيوبية كان بينها الدعم الجوي والمشاه الميكانيكية !
اتفاقية سرية بين دول جبهة الصمود
والشاهد ان ستار السرية والتعتيم على دور اليمن الديمقراطي في دعم القوات الاثيوبية ضد الصومال ، إذا بنفس الظاهرة تتكرر عبر المعاهدة التي وقعتها جمهورية اليمن الديمقراطي اوائل الثمانينات في عدن مع كل من ليبيا واثيوبيا تحت مسمى “اتفاقية الصداقة والتعاون المشترك حول القضايا السياسية الخارجية” .
وقد تردد ان ليبيا كانت الساعية الى هذه الاتفاقية بدعوى توسيع جبهة الصمود والتصدي التي قامت في اعقاب زيارة الرئيس انور السادات وتوقيعه على اتفاقية “كامب ديفيد” ، وكانت تضم وقتئذ كل من سوريا واليمن الديمقراطي والجزائر ومنظمة التحرير الفلسطينية ، لكن سوريا والمنظمة والجزائر كانت لهما تحفظات على هذا الحلف وانسحبوا قبل توقيع المعاهدة التي شجع عليها الاتحاد السوفيتي تعزيزا لوجوده في المنطقة اضافة الى توريد السلاح السوفيتي المطلوب والذي تكلفت ليبيا بتحويل صفقات شرائه .
وكانت مجلة “المجلة” التي تصدر في لندن صاحبة السبق الصحفي حينما انفردت بنشر النص الكامل لتلك المعاهدة السرية بعد مضي عام كامل على توقيعها “ حيث تبدأ بديباجه او مقدمة تقول :
نظرا للمؤامرة المنسقة للقوى الامبريالية الدولية والصهيونية والعنصرية وقوى الرجعية لتطويق وخنق وقلب ثورات بلدانهم الثلاثة ، ونظرا لمحاولات هذه القوى المستمرة لاعاقة تدفق ثرواتهم الطبيعية عن طريق وضع القارة الافريقية ودول العالم العربي تحت نفوذها وسيطرتها ، وايمانا بان اتحاد وتعاون هذه الدول الثورية الثلاث في المجالات السياسية والاقتصادية وغيرها من المجالات ، لزيادة قوة هذه الدول الثلاث ضد الامبريالية والرجعية والصهيونية ، وبما ان النضال العام الذي يخوضونه في هذه المجالات سيعود بالفائدة لا على شعوبهم فحسب ولكن سيشمل ايضا سلام المنطقة والقوى التقدمية في العالم وجميع حركات الاستقلال ، وتأكيدا لرغبتهم القوية في حماية وحدتهم الاقليمية ضد العدوان ولحماية حريتهم ووحدتهم القومية والاقليمية ولحماية ثرواتهم من الثورات المضادة ، ولصياغة تجاربهم الثورية بشكل اوثق ، ولدعم تجربة النضال التي تخوضها شعوبهم ، ولزيادة تعزيز جهودهم الرامية الى مقاومة جميع انواع الاضطهاد ، ونظرا الى الحاجة الى اقامة التعاون والصداقة والتنسيق بين الثورات الثلاث في مختلف المجالات ، مع التأكيد مرة أخرى انهم سيلتزمون بميثاق ومبادئ الامم المتحدة ومبادئ دول حركة عدم الانحياز ومواثيق المنظمات القارية التي تنتمي اليها الدول الثلاث بالعضوية فان اثيوبيا الاشتراكية واليمن الجنوبي وليبيا قد قررت المعاهدة التالية :
مادة (1) تتعاون الاطراف الثلاثة الموقعة على المعاهدة في المجالات السياسية والاقتصادية وغيرها من المجالات وذلك ليكون بمقدورها التنسيق في ما بينها لمواجهة الامبريالية والرجعية والصهيونية والتفرقة العنصرية .
مادة (2) تتعاون الاطراف الثلاثة الموقعة على المعاهدة في المجال السياسي لضمان وحدة النضال بين الدول الثورية الثلاث .
مادة (3) تتعاون الاطراف الثلاثة الموقعة على المعاهدة للتنسيق في ما بينها لاحباط المؤامرات التي تحيكها الامبريالية والصهيونية والقوى الرجعية والتي تهدف الى خنق القوى والدول التقدمية وذلك عن طريق تقوية قواها العسكرية وكذلك انشاء وتوسيع القواعد العسكرية في الدول الواقعة في المحيط الهندي والبحر الابيض والبحر الاحمر ودول المنطقة .
مادة (4) تدين الاطراف الثلاثة الموقعة على المعاهدة مؤامرات وتحالف اتفاقيات كامب ديفيد .
مادة (5) كررت الاطراف الثلاثة الموقعة على المعاهدة تضامنها مع حركات التحرير العربية والافريقية وغيرها وتضامنها وخاصة مع الثورة الفلسطينية وثورات كل من ناميبيا وجنوب أفريقيا في نضالها الذي تخوضه ضد الامبريالية والصهيونية والرجعية والتفرقة العنصرية .
مادة (6) تتبادل الاطراف الثلاثة الموقعة على المعاهدة في ما بينها الافكار ليكون بمقدورها تنسيق مواقفها من الموضوعات الدولية والقارية .
مادة (7) تبذل الاطراف الثلاثة الموقعة علي المعاهدة اقصي جهدها لتقوية وتعميق اواصر علاقاتها مع القوى والدول التقدمية في المنطقة وكذلك مع الدول الاشتراكية .
مادة (8) يتم تشكيل لجنة سياسية تضم كلا من وزير خارجية اثيوبيا الاشتراكية وامين مكتب العلاقات الخارجية للجماهيرية الليبية ووزير خارجية اليمن الجنوبية .
مادة (9) تكون مهمة اللجنة السياسية كما يلي :
1-مراقبة تنفيذ الخطوط السياسية الموضوعة .
2-اعطاء الاراء والافكار للمجلس الاعلى بشأن كيفية تطوير التعاون السياسي .
3-الاعداد لاجتماعات المجلس الاعلى .
4-واخيرا تنفيذ الواجبات الاتفاقية المنوطة باللجنة السياسية .
و..حتى ينتهي نص المعاهدة بالمادة رقم 38 التي تشير الى انه في حالة رغبة احد الاطراف الموقعة على المعاهدة في الانسحاب ، فيستطيع فعل ذلك ولكن عليه ان يخطر حكومة اليمن الجنوبي كتابيا قبيل عام من انسحابه ، وبالتالي تقوم حكومة اليمن الجنوبي بابلاغ بقية الاطراف ، وسيتم طبع ثلاث نسخ من هذه المعاهدة باللغات الامهرية والعربية والانكليزية وجميع هذه اللغات التي تكتب بها المعاهدة مقبولة تماما وبنفس الدرجة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.