أثارت قضية صحيفة «الثقافية» وما تعرضت له خلال الفترة الأخيرة في نفسي خوفاً شديداً على واقع الصحافة في اليمن في ظل هذه الحمى «الاحتسابية» التي يقودها مجموعة من المتشددين المنادين بتحليل زواج الصغيرات وتحريم ما عدا ذلك تحت راية «إعلاء الفضيلة» وحماية المجتمع من السقوط في الرذائل والانحلال الخلقي.. أصبح الكاتب منا يخشى على نفسه وعلى حياته إن تجرأ وكتب رأيه في قضية جنسية مثلاً أو مضى في اتجاه تبني رأي من وجهة نظر أخرى لا تستقيم مع منطق وروح أدعياء حماية الفضيلة، الذين يرفعون عصا التحريم والتحريض والتكفير في وجه كل مخالفيهم ليس في الدين وحسب وإنما في الرأي أيضاً!! كثير من هؤلاء ينظرون للكلمة اليوم من منظار «العورة» أو الانحلال.. فتجدهم يراقبون ويتفحصون كثيراً من الكتابات لعل وعسى يجدون كلمة «جنس» في إطار ما كتب تدفعهم أولاً لإلقاء خطبة «حامية الوطيس» أمام المصلين يحرضون فيها على هذا الكافر، البذيء، المنحط، عديم الأخلاق، الداعي للرذيلة..، والذهاب حد تشبيهه بالشيطان ومن ثم يبدأون بالمرحلة الثانية والتي تتمثل بإيصالها لأعلى المستويات بعد أن يزيدون عليها من الفلافل والحوائج الأخرى لتستوي تماماً، ويكون هدفهم قد أصبح قاب قوسين أو أدنى من التحقيق.. أنا هنا لا أدافع عن الكاتب الذي نُشر له موضوع عن المثلية الجنسية في المجتمعات الغربية في صحيفة «الثقافية» تسبب بتهييج المحتسبين..، ولكني ضد هذا الأسلوب الذي يتبعه هؤلاء ويلجأون إليه وضد اتهامهم للصحيفة وطاقمها بنشر الشذوذ الجنسي .. نرفض جميعاً هذه الأساليب التي دفعت هؤلاء إلى توظيف الدين بعناوين الغلو والتشدد وألبسوه ثوب التطرف والإرهاب.. هؤلاء ممن يتحدثون عن «الفضيلة» هم من يزهقونها اليوم بالمطالبة بتزويج القاصرات وبالبحث عن سفاسف الأمور التي تؤكد في الطالع والنازل أن هذا حرام وذاك منكر وغيره خروج عن الدين والملة.. إن ما يحز في النفس أن نرى هؤلاء يتعاملون مع قضايا النشر بشكل بعيد عن القانون والإجراءات المتبعة..، حيث يلجأ البعض منهم إلى استخدام منبر المسجد بغرض التحريض وتأليب المجتمع ضد الكاتب وضد الصحافة ومنتسبيها عموماً.. الأخطاء تعالج وكلنا خطاءون.. والغلط مرجوع كما يقولون..، وأساليب التحريض «التعميمية» التي يستخدمها البعض من «حماة الفضيلة» لا تعالج شيئاً مطلقاً بقدر ما تذهب حد إثارة الفتنة وإيقاظها في أكثر من مكان..وقد يخطئ كاتب أياً كان في طرحه لأية قضية أكانت جنسية أو غير جنسية.. فهل نطالب باعتذار هذا الكاتب والصحيفة عما تم نشره أم نسارع إلى اتهام الكاتب والعاملين في إطارها بالكفر والإلحاد وإخراجهم من الدين وجعل دمهم مباحاً بين الناس، والترويج أيضاً إلى أن هذه الصحيفة تروج للشذوذ والانحلال!!.. إن لغة الفضيلة يجب أن تكون في مرتبة عالية، أما أن تسقط إلى نفس مستوى هذا الكاتب أو ذاك فأعتقد أنها لا تختلف عما طرحه الكاتب في شيء!..