في الوقت الذي كان فيه السلطان العثماني بايزيد خان الأول يتأهب لغزو أوروبا بحملة قوامها نصف مليون جندي مع فجر القرن الخامس عشر الميلادي تحركت عاصفة عسكرية أشد هولاً ومن نفس العرق التركي والدين الإسلامي وبسبب تاريخي تافه مزمجرة من الشرق يقودها عسكري تتري مرعب خلَّد اسمه في التاريخ بكل الفظاعات الممكنة (تيمورلنك) ليحطم الطموحات العثمانية الجنينية للسيطرة على أوروبا في معركة أنقرة التي قررت مصير أوروبا في 20 تموز يوليو عام 1402م الموافق 19 ذي الحجة من عام 804 هجري، وليوقف المد الإسلامي، ولينقذ جنين الحضارة الغربية الذي كان قد تشكل آنذاك في أحشاء الزمن بعد أن تلقّح من نطف الحضارة الإسلامية، التي كانت تودّع التاريخ وتتوج ختامها بتألق الشمعة الأخير بفكر سنني متماسك هو فكر ابن خلدون، الذي أرَّخ لهذه المرحلة بمقابلة شخصية مع تيمورلنك الذي واصل تحطيم الشرق الأدنى ليحط الرحال في دمشق أخيراً. هذا الارتطام الأعمى بين قوتين إسلاميتين لتنجو وتولد حضارة غير إسلامية هل هو مجرد مصادفة عبثية .. أم عمى تاريخي ؟. يبدع مالك بن نبي في تعليقه على ظاهرة العمى التاريخي هذه والارتطام الحضاري ويدمج بين تحطيم قوة (طغطميش) التي كانت في طريقها لاحتلال روسيا وبيايزيد المتوجهة الى أوروبا، والتي يحللها توينبي على الشكل التالي في ظروف افتراضية: (ففي ظل هذه الظروف ربما تجد روسيا نفسها اليوم داخل نطاق امبراطورية تضم نفس مساحة الاتحاد السوفيتي الحالية ولكن مع اختلاف الأهمية امبراطورية إيرانية تحكم فيها سمرقند موسكو عوضاً عن أن تحكم موسكو سمرقند). جاء في كتاب (وجهة العالم الإسلامي) لمؤلفه الجزائري (مالك بن نبي):( لقد قام تيمورلنك في الواقع بعمل لم يكن يستطيع إدراكه حتى بعد انتهائه منه ، لأن مغزاه التاريخي الحق لايمكن أن يظهر إلا بعد عدة قرون . إن مسألة كهذه قد تتركنا مشدوهين بحجة أنها ذات طابع ميتافيزيقي، ولكن لكي نعطي للأحداث تفسيراً متكاملاً يتفق مع مضمونها كله يجب ألا نحبس تصورنا لها في ضوء العلاقات الناتجة عن الأسباب ، بل ينبغي أن نتصور الأحداث في غايتها التي انتهت إليها في التاريخ ، ومن هذا الجانب قد يلزمنا أن نقلب المنهج التاريخي : فنرى الظواهر في توقعها بدلاً من أن نراها في ماضيها ، ونعالجها في نتائجها لا في مباديها ، فلكي نفهم ملحمة تيمورلنك ينبغي أن نسأل أنفسنا : ماذا كان يمكن أن يحدث لو أتيح لطغطاميش أن يحتل موسكو ، ومن بعدها وارسو .. ؟ ولو قدر لبايزيد أن ينصب رايته على أطلال فيينا ، ثم على أطلال برلين .. ؟ لو حدث هذا لأذعنت أوروبا حتماً لصولجان الإسلام الزمني المنتصر ، ولكن ألا يدفعنا هذا إلى أن نرى توقعاً مختلفاً تمام الاختلاف عما حدث فعلاً كان سيحدث في التاريخ ..؟ . كانت النهضة الأوروبية التي مازالت في ضمير المقادير ستنصهر في ( النهضة التيمورية ) ولكن هاتين النهضتين _ على الرغم من عظمهما _ كانتا مختلفتين ، فلم يكن مغزاهما التاريخي واحداً ، فلقد كانت الأولى فجراً يفيض على عبقريات جاليلو وديكارت وغيرهما ، بينما كانت الأخرى شفقاً يغلف الحضارة الإسلامية لحظة أفولها . كانت إحداهما بداية نظام جديد ، وكانت الأخرى نهاية نظام دارس ، وماكان شيء في الأرض يستطيع أن يدفع عن العالم الليل الذي أخذ يبسط سلطانه آنئذ على البلاد الإسلامية في هدوء ، فلو أن تيمورلنك كان قد اتبع دوافعه الشخصية لما استطاع شيء أن يحول دون نهاية الحضارة الإنسانية . فهناك حسب تعبير إقبال (خطة للمجموع) هي التي تكشف عن اتجاه التاريخ.