وصلنا بعد حوالي الساعة إلى المحطة المركزية للنقل الداخلي والخارجي والتي يسميها الأتراك ( الأوتوقار)، وكون أنني قد تنقلت وسافرت من وإلى كثير من المحطات البرية التركية في وقت سابق وشاهدت أكثر من ثماني محطات نقل مختلفة الأحجام والمساحات طبقاً لكبر وصغر المدينة المتواجدة فيها المحطة فقد تنقلت من أكبر المحطات اسطنبولوأنقرة العاصمة وأصغرها كمدينة سامسون على البحر الأسود شمالاً ومدينة فتهيه على بحر آيجه جنوبا . كل تلك المحطات في غالبيتها إما موجودة في مكان ليس في وسط المدينة وذي مساحة كبيرة أو أنها خارج المدينة ليسهل ربطها وتواصلها مع مدن وقرى قريبه منها وكذلك أدرك المخططون لإنشاء تلك المواقع أهمية موقعها الجغرافي للسنوات القادمة . وقد ذكرت ذلك في مقالات سابقة في أكثر من صحيفة يمنية عن مدى روعة التخطيط التركي في هذا الشأن، والذي يستحق الدراسة والنقل والتطبيق على الأرض اليمنية فأنت عندما تصل إلى محطة النقل الرئيسية فكأنك قد وصلت إلى مطار كبير تشمل خدماته جميع حاجياتك ومستلزماتك كمسافر أو عابر أو حتى مقيم لليلة أو ليلتين . فأنت لن تحتار أبداً ففي الموقع تجد الفنادق والبنسيونات كل حسب قدرته المالية وفي المحطة تجد موقف التاكسيات والذي بإمكانك استخدامه للتنقل حيث تشاء وتجد الحافلات الصغيرة البعض منها وجهته داخل المدينة والبعض الآخر وجهته القرى المحيطة بالمدينة. في تلك المحطات الرئيسية تجد المطاعم بأنواعها والمحلات التي تبيع ما يخص المسافر وتجد كذلك المقاهي إن كنت ترغب في شرب بعض الشاي التركي والذي يذكرني طعمه ولذته ونكهته بالشاهي السيئوني في وادي حضرموت وأنا ابن تلك المنطقة . والأجمل في كل ذلك أن تحتوي كل محطة من المحطات التركية على دورة مياه كبيرة ونظيفة للرجال وأخرى للنساء، تدفع مبلغاً بسيطاً يختلف تقديره من محطة إلى أخرى لاستعمالها، وفي المقابل تجد بيت ماء نظيف ومن ثم تجد بجانبه مكاناً للصلاة للجنسين. فعلاً لقد انبهرت بالخدمات الموجودة في تلك المحطات التركية المتعددة، وحتى تنبهروا معي فقد كنت يوماً في “ سفرة “ سابقة لتركيا على موعد عمل لمدة يوم واحد في أنقرة العاصمة وعندما وصلت إليها من اسطنبول تفاجأت بضخامة محطة النقل في أنقرة والتي كانت تحتوي على كل الخدمات والتي لم أتوقعها ومنها صندوق الأمانات، حيث وضعت حقيبتي الكبيرة لديهم وأخذت الصغيرة معي بدلاً من حملها إلى الفندق وعند سفري في اليوم التالي أخذتها بعد أن دفعت مبلغاً رمزياً.. أليس هذا شيئاً مبهراً ورّاقاً ؟! تلك الخدمة أتذكر أنني وجدتها واستفدت منها لكن في المطارات الأوروبية ووجودها في محطة نقل بري فهذه قمة الرقي والتقدم، ولك أن تتخيل معي أخي القارئ أن تكون المحطة على شكل بيضاوي أو دائري والحافلات تحيط بها من كل جانب وواقفة بشكل مرتب حيث كل حافلة تتبع شركة من الشركات وتقف أمام بوابة أو رقم عليها ووجهتها تختلف عن وجهة الشركة الأخرى، ليس ذلك احتكارا إطلاقا، هنا تلمس المنافسة أنها أوجدت تنافسا في نوعية الخدمات يحكم عليها المسافر المتردد على هذه الشركات . دائما عندما أسافر بالبر داخل تركيا أتذكر حافلاتنا وهي تقف عند باب اليمن وتلك آخر مرة استعملتها حيث الانطلاق من هناك، ولا يسعني هنا إلا أن أقدم رجائي في هذه المقالة لوزير النقل لأطلب منه زيارة محطة انقره بالذات وكذلك اسطنبول حتى عندما يأتي الظرف المناسب لإنشاء محطة مركزية في العاصمة صنعاء تكون أقرب إلى أن تحتوي على الكثير من الخدمات ليس للجيل الحالي فقط ولكن للأجيال القادمة فالتغيير في العقول والتفكير لابد أنه قادم والأهم هو إيجاد البنية التحتية للمستقبل . كنت قد حجزت بالتلفون مقعدين في رحلة الحافلة والتي ستنطلق في الثانية ظهراً إلى جنوب غرب تركيا وتحديداً مدينة “دنيزلي” حيث المياه الحارة المعدنية ووصلت سيارتنا من سوريا الواحدة ظهراً أي قبل ساعة من تحرك الحافلة وذهبت للمكتب في المحطة ودفعت قيمة التذكرة خمسين ليرة تركية لمسافة أكثر من ألف ومائتي كيلو متر ولمدة زمنية تقترب من خمس عشرة ساعة مع التوقف. كنت قد اخترت الرحلة التي تأخذ أقصر طريق وأقصر مدة زمنية حيث بالإمكان أن تختار الرحلة التي تمر بجهات أخرى وفي النهاية توصلك لمقصدك ولكنني اخترت الأقصر والأسرع والمبلغ المطلوب في جميع الحالات هو نفسه خمسون ليرة تركية، وللتوضيح مثلاً فأنت قد تجد حافلة تذهب إلى تعز وعدن وأخيراً المكلا وكذلك تجد حافلة صنعاءمأرب ثم المكلا ولك أنت الخيار . انطلقت الحافلة في موعدها وكأنها طائرة وليس حافلة ركاب , وهذا يدلك على أهمية الوقت والالتزام من قبل شركات النقل وبعد توقفه في أول مدينة مخطط أن يقف فيها لمدة ثلاث دقائق فقط لصعود ركاب جدد محجوزة مقاعدهم مسبقاً عرفت أن الوقت مهم هنا لأن الراكب الجديد مكتوب في تذكرته انطلاق الحافلة بالدقيقة وستصل الحافلة في وقتها في كل المحطات التي ستقف فيها . وبعد تقديم الضيافة من شاي وكعك وعصير وبعد بضعة ساعات وصلت الحافلة إلى مدينة الإسكندرون وكانت فترة الاستراحة عشر دقائق وهي فترة كافية للوضوء وأداء صلاة المغرب والعشاء في محطة مدينة الإسكندرون . تحركت الحافلة وبالطبع دخل الليل والظلام علينا وعند كل محطة صغيرة وكبيرة وبعد أن ينزل بعض الركاب ويصعد آخرون يتحفنا مساعد السائق بالضيافة المعتادة ولن أقول : ذلك كرم منهم , ولكنني أقول إنها قمة في الخدمات الراقية محسوبة مسبقاً. وبعد ساعات أيضاً توقفت الحافلة في استراحة كبيرة وهذه المرة لمدة عشرين دقيقة , وفجأة توالت العديد من الحافلات لشركات مختلفة كل لها اتجاهها وربما يكون نفس وجهتك ولكن توقفهم في هذه الاستراحة متفق عليه أو ربما نظام يلتزمون به، فترى الحافلات واقفة في الساحة الكبيرة المسفلتة (الاستراحة) والتي تحتوي أيضاً على محطة بترول ومطعم وبقالة كبيرة ودورات مياه للجنسين وأماكن صلاة للجنسين أيضاً.. وفي فترة توقف الحافلات تشاهد من يقوم من قبل العاملين في الاستراحة بغسل زجاج الحافلات، والبعض من مدمني التدخين يجدها فرصة لممارسة التدخين في الخارج فالتدخين ممنوع بالطبع في الحافلة والجميع يلتزم بذلك . تذكرت هنا الاستراحة التي نشأت في ذمار والتي توقفتُ فيها وهي بحق جميلة لكن وجودها في هذا المكان كان قراراً غير موفقاً وكنت آمل أن تكون خارج المدينة، لأن مثل هذه الاستراحات يجب أن تكون في مناطق نائية حتى تؤدي الخدمة في المكان المناسب. ربما يعتقد البعض أن الوقت مبكر لذلك , وهذا ليس صحيحاً فنسبة مستعملي النقل البري لدينا عالية مما يحفزنا إلى أن ننقل تجارب الآخرين الإيجابية , والتجربة التركية في هذا المضمار تستحق الاطلاع , وكلي أمل أن يطلع عليها المعنيون على ارض الواقع. في الجزء القادم والأخير سأسرد النشاط والمجالات السياحية في تركيا وكيف فتحت أبواب الرزق للأتراك وأين موقعنا في اليمن من كل ذلك؟!.