إن الكوارث التي تجتاح العالم والانتكاسات الاقتصادية والتقلبات السياسية واشتعال فتيل الحروب التي تلقي ببارودها على من في المعمورة جعلت الضحكة تنقرض عن شفاه من عاش واقعاً لا يعرف للابتسامة طريقاً. الضحكة في هذا العصر عملة صعبة عدا الضحك على الذقوق.. نتذكر زماناً حين كان البال خالياً من المشاغل والهموم ننتظر ليلة الخميس بفارغ الصبر حتى نضحك ضحكة أسرية ونحن ملتمون على التلفاز لمشاهدة المسرحية ، ولو كانت “بايخة” نضحك حتى تتساقط الدموع من أعيننا، أما اليوم لو شاهدنا كل الفضائيات لما صدرت ضحكة واحدة من القلب بل نزداد هماً وغماً خاصة إذا ما ضغطنا على زر قناة تبث الحروب والقتل والإرهاب.. قلوبنا تحجرت حتى الأفلام الكوميدية لا تضحكنا.. وبالذات التي يصاحبها شريط إخباري يربطنا بعالم يرسم المآسي ويضاعف الأحزان. ليلة الخميس لم تعد ليلة للضحك والمرح بل للمتزوجين ، يضحك فيها الزوج على زوجته في ليلة واحدة بعد أن أخذ عليها ستة أيام تعيشها وحيدة وهي على خصام مع الضحك في انتظار «سي السيد» نهاية الأسبوع. إننا نضحك ومن قال غير ذلك؟، نضحك ضحكة صفراء ونضحك ضحكات النفاق الاجتماعي ونضحك بابتسامة بلهاء نظهر بها بياض أسناننا أو سوادها لنترجم قول المتنبي: “إذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظنن أن الليث يبتسم”.. غابت الضحكة ومع غيابها وجدنا شباباً يشترونها من بقالة عالم الكيف في مجتمعات غزتها المخدرات والبانجو والحشيش من اجل ضحكة اللحظة لتبدأ بعدها المعاناة وحياة الضياع التي لاتنتهي إلا بانتحار صاحبها أو انتقالها إلى السرايا الصفراء. هناك دول حلت إشكالية أزمة الضحك بفتح مراكز متخصصة في الضحك بلغت خمسة آلاف مركز موزعة ما بين أمريكا وكندا والهند وبلجيكا، والغريب في دولنا العربية أنك لا تسمع عن وجود مركز واحد لأننا نؤمن أن الضحك يميت القلب ويقلل من الهيبة والهنجمة. في يمننا الحبيب لا نضحك لأن هناك من يضحك علينا ويجعلنا نعيش متوجسين خائفين من بكره أن يطلع نهاره .. مسيرات ترفع شعارات ضد الوطن وحراك يريد أن يقودنا إلى شتات ما قبل مايو وإرهاب يطل علينا بفكره الهدام وصحافة تلعب بالبيضة والحجر. ما أحوجنا إلى أكثر من مركز للضحك حتى نضحك ونضحك ونضحك على “الكلاب” وهي تعوي في الوقت الذي قافلتنا تسير بنا نحو بر الأمان.