وجدته متذمراً ساخطاً منزعجاً يتحدث بكلمات قوية ويوجّه انتقادات ساخنة وهو الذي عرف عنه الهدوء والصبر والذكاء والحلم.. والابتعاد عن مجالس الحش.. وكما يقولون حاله حال نفسه!. تغير صديقي تماماً.. وكنت أظن أن حال الدنيا ومتاعبها قد كان لهما أثر كبير في أن يغادر هدوءه وصبره وأن يفضّل طريقة الهجوم والمباغتة.. ولكن حال العمل ومرؤوسيه الذين وجدهم فوق صبره وهدوئه ووقاره وأكبر من أن يغمض عينيه.. أو يكبت صدره.. أو حتى يقفل فمه!. أطلّ من عينيه شرر الغضب وهو يراني.. ولم يكن كعادته مبتسماً.. سائلاً عن الحال والصحة.. قفز مباشرة إلى خط الهجوم وهو يقول لي: بطلوا كذباً.. يكفي نفاقاً.. إلى متى ستمارسون التجميل.. وأين أقلامكم مما يحدث.. أين ضمائركم.. والأمانة التي تحملتموها.. وأين الصدق وأنتم تكتبون اليوم ما كتبتموه أمس.. وأمس الأول.. تكررون المدح.. وتزيدون من الإشادة.. ولا تلتفتون إلى المعاناة الحقيقية ولا إلى مكامن الخلل.. ولا السلبيات القاتلة.. والأخطاء المتعمدة.. والتصرفات التي تسيء إلى الوطن.. والسلوكيات التي لم نشاهدها في أي زمن مضى؟!. يا ساتر.. صديقي غارق في الغضب.. وأنا وغيري من حملة الأقلام متهمون.. مقصرون.. مخطئون.. مذنبون.. ولمَ لا؟!.. ربما عنده حق وأكثر من ذلك رغم أني أتحرى البحث عن الهموم والغموم والمشاكل وأية معاناة تلتقط أنفاس المواطن حين يحاول البحث عبثاً عن الراحة!. لم يخف ارتياحه من تناول قضايا المواطنين وهمومهم.. لكنه فتح باباً آخر لمعاناة أكثر ألماً يتجرعها موظفون أو مديرون صغار في أعمالهم بسبب سيطرة العبث وتفشي الفساد وابتعاد من هم في مكان المسئولية عن مهامهم الحقيقية وتخليهم عن الأمانة ونكثهم بثقة من ولاّهم المسئولية ومنحهم المنصب والكرسي والأمر والنهي. صديقي كشف عن خراب آخر وعبث لا حدود له وهو يعترف بأنه اضطر للخروج عن صمته والابتعاد عن الهدوء مجبراً لا بطلاً.. ويؤكد أن أشد أنواع الفساد هو تعيين مسئول في منصب حكومي، لا لينفذ أجندة الإصلاح الإداري.. ولا ليطور من آلية العمل.. ولا لينصف الموظفين ويمنحهم حقوقهم.. ولا ليقدم رسالة نجاح إداري ومالي.. ولا ليكون عند مستوى الثقة والأمانة.. وإنما لينفذ أجندته الخاصة.. ويطور من آلية النهب.. ويسلب الموظفين حقوقهم، ويقدم إثباتات مستمرة على أنه فاشل!. ما زادني ألماً.. أن صديقي بدأ يوجّه سهام النقد والاستهجان إلى من أسماهم (أصحاب فوق) ولما سألناه: وما ذنبهم؟!.. رد: اكتب في مقالك الصحفي.. أنهم السبب.. لأن بعض من يختارونهم من المتردية والنطيحة.. وإلا ما سكتوا عنهم.. وغضّوا أبصارهم.. أنا منذ شهور لم أستطع دخول مكتب مسئولي المباشر.. أبوابه مغلقة.. والحرس منتشرون.. والمظالم تزداد.. والحال من سيئ إلى أسوأ.. ومن بيدهم الحل والربط في أبراجهم العاجية.. أو في مكاتبهم الضخمة.. إنهم لا يسيئون إلى أنفسهم.. بقدر ما يسيئون إلى من جاء بهم!. عند ذلك عرفت سر صخب واستياء كثيرين نعرفهم هادئين ووجدناهم مؤخراً ساخطين متذمرين.. وكله بسبب من لا يرعون الثقة ولا يحافظون على الأمانة!!. [email protected]