هنالك بعيدا حيث لا ترى عيون الكاميرات، ولا تهتز أقلام الكتاب.. هنالك حيث تموت ضمائر نشطاء الحقوق، ويخرس صوت الحداثة على أفواه المتشدقين بها زيفا.. هنالك حيث تسقط اخلاق السياسيين وتغيب الدولة تماما.. في حجة، مديرية كشر تحديدا، قرى وجبال حجور حيث لا منطق غير منطق الألغام، ولا صوت يعلو على انفجارتها المرعبة باستثناء شعار الصرخة الذي يتبعها مباشرة من الضفة الأخرى للوادي حيث يعسكر الزعيم الحوثي يوسف المداني الذي حوّل عاهم من سوق على مستوى الجمهورية إلى مقبرة مفتوحة تأوي إليها أرواح و أشلاء شباب وأطفال ونساء حجور.. الكثير من الرعب والوجع والحزن ينتاب أهالي المنطقة وهم يرون أبناءهم ورجالهم ونسائهم وأطفالهم يتساقطون كالفراشات في حقول الموت التي زرعها السيد باسم الله والاسلام معلنا الجهاد على أحلام الحياة وبراءة الطفولة وكرامة الانسان، في ظل صمت مخزٍ على المستوى الرسمي والشعبي وفي كل الاوساط الثقافية والإعلامية والحقوقية والنخب الزائفة حسب رأي أبناء حجور. لقد سقط أكثر من أربعين شهيدا وعشرات الجرحى حتى الآن جرّاء الألغام المقدسة التي زرعها أنصار الله في الطرقات والمزارع ومداخل البيوت، كما هي ايضا حول آبار الماء وموائد الطعام وتحت التراب وبين الأشجار وحتى في عيون الأطفال وقلوب النساء. لا أحد يلتفت لما يحدث في حجة إطلاقا.. ربما لأن حجور ليس لها شيخ نافذ ولا قائد عسكري متسلط.. أو رئيس جمهورية كما هو الحال مع أختها أبين في الجنوب. لهذا لم نسمع يوما أحدا من أركان النظام التوافقي يتحدث عن الجرائم التي ترتكب بحق أبناء حجور رغم كل المآسي التي يعاني منها مواطن كشر وعاهم. حتى قيادة محافظة حجة ممثلة في المحافظ القيسي القريب من الحوثيين لم يصدر منها أي إجراء أمني لإنقاذ أبناء كشر من عنجهية الألغام التي تلتهم الإنسان كل يوم تقريبا. ويرى الكثير من المواطنين أن تعيين على القيسي محافظا لحجة كان خطأ استراتيجيا وقع فيه رئيس الجمهورية، معتبرين أنه بتعيين القيسي يسلم المحافظة للحوثي بقصد أو بدون قصد. على أرض الواقع يعاني المواطن من حصار خانق يفرضه الحوثي، حيث قطع الخط الرئيسي وحاصر آبار الماء التي يعتمد أبناء كشر عليها، كما تسبب في تعطيل المدارس ومحطات النفط والمراكز التجارية في عاهم، إضافة إلى نزوح أكثر من خمسة آلاف مواطن تقريبا من قراهم التي تحولت إلى قنابل موقوته قد تنفجر في وجه كل من حاول الدخول إليها كما حدث مع أحد النازحين الذي حاول الرجوع إلى بيته دون أن يدرك أن لغما ما ينتظره في محيط البيت. ورغم تلك المعاناة الكبيرة إلا أن المواطن لم يكترث لها كثيرا كما هو الحال مع الألغام التي تختبئ حيث لا يدري أحد.. وهذا ما جعل أبناء حجور يرفعون أصواتهم عاليا للمطالبة بنزع الألغام غير أنه لا يوجد من يستمع لمناشداتهم لأن الجميع لا يعترف بإنسانيتهم ولا يهتم لمأساتهم. القوى السياسية والدولة من قبل ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الإعلامية والنشطاء في كل المجالات منهمكون مع مهزلة الحوار الوطني. في حين يموت الشعب بهدوء وتتحول الطفولة إلى كومة من الأشلاء نتيجة الألغام في عاهم ولا أحد يخجل من جثمان الطفل مشتاق العمري مثلا أو الطفلة رهف.. تقتل الطفولة ولا يخجل أحد.. تقتل المرأة ولا يتكلم أحد.. يقتل الإنسان بشكل بشع ولا نسمع حتى من يستنكر ويدين في أوساط النخب.. وعندما يتعلق الأمر بناشطة تتعرض لإساءة كلامية من أحدهم تضج الدنيا وتعلو أصوات التضامن والاستنكار من هنا وهناك لتؤكد سقوط أخلاق أولئك المتشدقين بقيم الإنسانية. وباعتبار أبناء حجور جزءا من النسيج الاجتماعي لهذا الوطن فإننا نحمل رئيس الجمهورية عبدربه هادي ورئيس وزراء حكومة الوفاق ووزيري الدفاع والداخلية وقيادة المحافظة نحملهم جميعا مسؤلية ما يحدث في كشر ونعتبرهم شركاء في الجرائم التي تلحق بمواطن حجة. كما نناشد منظمات المجتمع المدني وما تبقى من ضمائر لدى النشطاء في مجال الحقوق والحريات بالاضافة الى وسائل الاعلام والقوى السياسسية وشباب الثورة أيضا.. نناشدهم جميعا بتحمل مسؤليتهم الأخلاقية والانسانية إزاء ما يجري ونعتبر سكوتهم سقوطا أخلاقيا وشراكة فاعلة في ارتكاب الجرائم تلك.. إلى الرئيس.. الصورة لمحمد الدعيشي الرئيس الذي جاء إلى الحكم فجاء الحوثي الى كشر.. الرئيس الذي يدخل القصر بضجيج في حين يدخل أهلنا إلى المقابر بصمت.. الرئيس الذي لم يكلف نفسه التفكير في كشر كما فعل مع أبين التي ينتمي إليها.. يا فخامة الرئيس.. أليست الألغام التي زرعها أنصار الشريعة في أبين هي ذات الألغام التي يزرعها أنصار الله في حجور؟ يافخامة الرئيس.. لماذا لا تحرك جيش الوطن لحماية المواطن في حجة كما فعلت في أبين ؟ يا فخامة الرئيس.. هل سمعت يوما بأبشع جرائم الألغام.. تلك الجريمة التي حولت جسد محمد الدعيشي إلى أشلاء متناثره على الأرض وفوق الشجر، وقبل أن يكمل الحاضرون لملمة أشلاء محمد داخل الشال الأحمر ينفجر اللغم الثاني ليقتل أربعة عشر انسانا وجرح خمسة وثلاثين آخرين في نفس اللحظة لتختلط أشلاءهم بأشلاء صديقهم محمد ولم يتلكم أحد عن هذه الجريمة النكراء.. يا رئيس الجمهرية.. ياحكومة الوفاق.. يا عالم.. أخرجوا الألغام من عقولنا.. من عيون أطفالنا.. من دموع نسائنا.. من قلوبنا.. انزعوا الألغام من طرقاتنا.. من مزارعنا.. من مداخل بيوتنا.. من مراعي ماشيتنا.. الألغام في كل مكان.. في عاهم.. قرية الحازة.. قرية العبيد.. الكولة السوداء.. المعهد المهني.. المركز الأمني.. جبل الجرابي والجرايب و... و... الخ.. لا نريد منكم فعل معجزات خارقة يعود بموجبها الشهداء إلى أطفالهم.. نريد فقط نزع الألغام حتى لا يلحق الأبناء بآبائهم.. لا يلحق الأطفال بأصدقائهم.. نريد أن نعيش بسلام.. ونمارس الحياة بلا خوف من الألغام.. "لا عاصم اليوم يا عاصم" الصورة لعاصم الغبري صديقي الطفل عاصم الذي يحفظ قصائد امرئ القيس كما لو أنها اسمه.. كان يحبني كثيرا.. وكنت ساذجا لم أستوعب أنني في قلبه ملاك.. كان يفرح كثيرا عندما أعود من صنعاء إلى القرية ومعي حلم مشروخ أحاول أن أرسم منه صباحا في عيون أمي وجدتي وأصدقائي البسطاء الذين تفاعلوا مع فكرة الثورة.. للأسف بعد أن أصبح صديقي أشلاء عرفت حجم الحب الذي كان يغمرني به.. هذه المرة أعود للقرية وهي تغتسل بالدموع على قبر صديقي.. لم يأت كالعادة أول كل مساء ليقرأ قصائد الملك الضليل.. أو بعض ما يكتب.. لا أحد يطلب مني قصيدة أو يعترف أني أكتب شعرا غير صديقي عاصم.. ورغم أنني لم أكترث لطلبه إلا أنه فاجأني ليلة بتلاوة بعض هذياني الذي نشر في صحيفة لا أدري كيف حصل صديقي على نسختها في تلك القرية العتيقة.. عاصم رحل إلى السماء حاملا في ذاكرته معاناة أطفال القرية وأحلامهم.. وليس في قلبه شيء لأن قلبه تناثر على أوراق الشجر كالجسد النحيل الذي كان يأوي عاصم.. أشعر بخجل عالي السخونة وأنا أستعرض صور صديقي في يوميات ذاكرتي المثقوبة.. وأيادي أنصار الله لم تخجل من براءة الطفولة التي تغمر روح صديقي عاصم.. المنظمات المهتمة بالطفولة والناشطين والناشطات في مجال الحقوق لا يعرفون شيئا عن صديقي الطفل عاصم.. لكن الله يعلم عنه الكثير.. الملائكة تحرس ضريح صديقي حتى لا يعود إلى القرية لأنهم سعداء بعاصم هنالك حيث يلتف حوله سكان السماء يستمعون له وهو يتلو قصيدة امرئ القيس.. قفا نبك من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ.. *صور أطفال من ضحايا الألغام بحجة الطفلة رهف الطفل مشتاق العمري