حينما وصل المحققون إلى المكان المشار إليه في البلاغ، كان ثمة أشخاص واقفون قرب بوابة “ فيلا” أنيقة محاطة بغطاء من الأشجار يزيدها فخامة ورونقاً، شاهدو الأشخاص يلوحون بأيديهم نحوهم يطلبون الاقتراب، فعرفوا أنهم وصلوا إلى المكان المطلوب.. دخلوا إلى بهو بالفيلا بصحبة أحد الأشخاص الذي اتضح بأنه أمين الحي، قادهم إلى إحدى غرف الطابق الأرضي، وحين دخلوا الغرفة كان ثمة جثة مسجاة على الأرض، بعيداً بضع خطوات عن سرير وثير، ظهرت الجثة لشخص في منتصف العقد السادس تقريباً من العمر، لم يكن عليها أي أثر للتعرض للإيذاء أو الاعتداء، لم تكن عليها أي خدوش أو جروح، أو نزف للدماء، بدا وكأن الشخص الذي اتضح أنه صاحب الفيلا، ويعيش حالة ثراء لم تعفه من أن يظل وحيداً دون زوجة أو أقارب يقومون على شؤونه، وهو ما يفسر وفاته داخل الفيلا دون أن يكتشف أحد الأمر إلا في الصباح التالي حين دخلت «الشغالة» وهي امرأة مسنة إلى الفيلا للقيام بتنظيفها وترتيبها كما تعودت بصورة يومية، وقد أذهلها رؤية الرجل الذي تعمل عنده في المنزل وهو مستلقي على الأرض دون حراك، انطلقت مذعورة صوب الجيران وأبلغتهم.. فقام أمين الحي الذي كان متواجداً بإبلاغ الشرطة. التحقيقات الأولية، أشارت إلى أن الوفاة لم تتم بفعل التعرض للعنف أو الضرب، وما يؤيد ذلك أن الفيلا لم تتعرض للسرقة أو للعبث قبل أن يأتي تقرير الطبيب الجنائي بأن الوفاة نجمت عن تعرض صاحبها لأزمة قلبية، وهذا ما قلل من احتمال وجود جانب جنائي،ليتوقف التحقيق عند ذلك الحد، ولكن إلى وقت ليس بالبعيد إذ تكتشف جوانب جديدة للقضية.. أقفل متجره باكراً ذلك اليوم، وتوجه إلى فيلته الواقعة وسط الحي الهادىء، أوقف محرك السيارة ثم ارتجل تاركاً إياها في الحوش، ما لبث أن دخل الفيلا وصعد للطابق العلوي ثم دلف غرفة أشبه ما تكون بمكتب تتوصده منضدة، أناخ جسده على الكنبة، قبل أن يتسلل إلى قلبه العليل قلق، لم يكن بسبب المتاعب الصحية التي ألمت به وبدأ بعدها يثابر على الاستخدام المنظم للعلاجات، كان يشعر بأن شيئاً ما ربما يحصل وقد أثار فيه هذا القلق، استجمع شتاته واجتهد في تناسي هذه المشاعر، لأن عليه أن يكون تلك الليلة في أحسن حال. يطلق نهدة طويلة، يتذكر منذ غادرت زوجته المنزل وهو بهذه الحال التعيسة من العيش وحيداً، حتى تعرف على تلك المرأة الشمطاء التي أغدق عليها المال والهدايا مقابل خدماتها بجلب أشكال من بائعات الهوى، ومع تلك الشمطاء دلف إلى حياة الشراب والنساء، فزاد ذلك من قلبه الضعيف، ضعفاً أشد، وفي كل مرة كان يصمم على وضع حد لحياة العبث واللهو التي أقحم نفسه فيها، كان ينكص ويعود ليرتع مجدداً بها. لا يدري هل يحزن للبؤس الذي يحطم أوصاله ويزيد من انعزاليته وابتعاده عن الناس، وذلك التفسخ الذي تورط به حتى أحاله إلى عجوز عربيد غارق في الوضاعة، أم يبتهج لأن تلك الشمطاء ستحضر له فتاة ليست كالأخريات، ثم إنه بدأ يتذكر ملامحها وتقاسيمها وتقاطيعها، بذهنه الخرف أن تلك الفتاة ستعيده إلى أيام الصبا!!. عندما جاءت تلك اللحظة، كانت الفتاة حاضرة ومعها العجوز، جلس ثلاثتهم وبدأوا يدردشون و…و…، كان باب الغرفة يفتح بقوة حيث ظهر عليهم شاب مكتنز العضلات ذو جسم رياضي، وفي عينيه غضب واتقاد شرر، قام بمباغتة الفتاة وضربها وشتمها وأشهر سكيناً مشيراً بيده إلى الرجل المسن الذي انتابه الذهول والذعر الشديد، حتى تجمد في مكانه، قائلاً: هذا العجوز المتصابي من أفسدك، أليس كذلك “يسأل الفتاة، وهي تبكي، ويتابع: إنه يحتاج إلى دق عنقه”.. هنا تدخلت المرأة العجوز وقامت بشكل غريب بتهدئة الشاب، ثم عرضت على الشخص المسن أن يدفع مبلغاً كبيراً من المال لهذا الشاب الذي أخبرها أنه من أقارب الفتاة، مقابل تغاضيه عن المشكلة.. والعمل على إنهائها بهذه الطريقة، وكأن شيئاً لم يكن بدلاً من حدوث المشاكل والفضائح. بسرعة أخرج دفتراً وكتب رقماً تم الاتفاق عليه لمصلحة الشاب، حيث يمكنه استلامه اليوم التالي من المصرف. بعد انصراف الفتاة وقريبها ومعهم المرأة العجوز بفترة بسيطة لم يقو قلب الرجل المسن على تحمل كل ذلك الضغط وارتفاع الأدرينالين نتيجة الخوف والرعب، انتابته أزمة قلبية انهار في إثرها على أرضية المكان جثة هامدة، وكادت المسألة أن تطوى على أنها حادثة وفاة بسبب أزمة قلبية، إلا أن تتبع خيوط أفضت إلى قصة المبلغ الذي استلمه الشاب من المصرف جاءت لتكشف بقية تفاصيل الواقعة، والتي أظهرت أن المرأة العجوز والفتاة والشاب الذي ادعى أنه قريب الفتاة كانوا قد اتفقوا على الاحتيال على الرجل المسن بدافع ابتزازه مبلغاً مالياً كبيراً، فتدبروا أمر الخطة التي لم تنطل على الرجل فحسب بل أردته جثة هامدة!.