طوماس هوبز (1588 - 1679)،ينطلق في فلسفته السياسية، في تفسيرها للمجرى العام للتاريخ، وكل التحولات في الدولة، والسياسة والدين، وفي الأخلاق والقانون، من مفهوم الفرد معزولاً عن الآخرين. وحيث أن هوبز يتصور أن خصائص هذا الفرد تظل ثابتة و«متماثلة تماثلاً واعياً مع خصائص الأجسام اللاعفوية». في معنى الحرية، التي لا يربطها هوبز بالإرادة بالمعنى المثالي، إنما يرى الحرية موجودة ضمن ارتباطها بالعقبات والعراقيل، التي تحد من إمكانيات الإنسان في التصرف، يقول: “ليست الحرية شيئاً آخر سوى غياب كل ما يمنح الحركة. ولهذا السبب فإن الماء المقفل عليه داخل إناء ليس حراً، الإناء يمنع جريانه، وبالعكس فإن الماء يغدو حراً عندما يتحطم الإناء. وكل واحد هو أكثر أو أقل حرية حسب امتلاكه للكثير أو للقليل من الحيز كي يتحرك. ولهذا السبب فإن شخصاً سجيناً داخل سجن واسع هو أكثر حرية من سجين داخل سجن صغير. ويمكن للإنسان أيضاً أن يكون حراً من جانب دون أن يكون كذلك من جانب آخر. وهكذا، فإن أسيجة أو أسواراً، من هذا الجانب أو من ذاك، من شأنها أن تمنع عابر السبيل من إتلاف الحقول أو الكروم التي تحاذي الطريق- والعوائق التي من هذا النوع هي عوائق خارجية، ومطلقة. وبهذا المعنى يعد كل العبيد وكل من هم خاضعون للعنف أحراراً شريطة ألا يكونوا مقيدين أو معتقلين. وثمة عوائق أخرى لا تخص سوى الإرادة، إذ أنها لا تعيق الحركة بطريقة مطلقة، بل بطريقة غير مباشرة، وذلك بالتأثير على اختيارنا. وهكذا فإنه ما من شيء يمنع مسافراً على متن باخرة عن إلقاء نفسه في البحر إذا شاء. ولكن هنا أيضاً، يمتلك الإنسان من الحرية حداً يوفر له أكثر من طريقة للتحرك. وهذا هو معنى الحرية المدنية(...). ولكن في كل دولة، وفي كل عائلة يوجد فيها عبيد يمتلك المواطنون الأحرار وأبناء العائلة، بالنسبة للعبيد حظوة ممارسة أعمال ووظائف مشرفه أكثر، سواء في الدولة أو في العائلة، مع امتلاك زائدة عن حاجتهم. والفرق بين مواطن حر وعبد يتمثل في كون الإنسان الحر لا يخدم سوى الدولة، بينما يخدم العبد مواطناً أيضاً. وكل حرية أخرى هي حرية التحرر من قوانين الدولة ولا يمتلكها سوى الحاكمين”. إن محور فلسفة هوبز السياسية، محور عقلاني ومادي في الوقت عينه، خصوصاً وأنه تأثر تأثراً كبيراً بالاكتشافات العلمية التي قام بها معاصراه غاليلووهارفي. ففي تعريفه للمجتمع المدني يقول هوبز، الطبيعة لم تغرس في الإنسان غريزة الاجتماع، والإنسان لا يبحث عن أصحاب إلا بدافع المنفعة والحاجة، إن المجتمع المدني (السياسي) هو ثمرة مصطنعة لميثاق اختياري لحساب قائم على المنفعة. ويميل منهج هوبز، مثله في ذلك مثل روسو وكانط إلى نظرية العقد الاجتماعي، فنقل الحق الطبيعي المطلق، الذي يملكه كل واحد في كل شيء، إلى شخص ثالث، بعقد يتم “بين كل واحد” هو الاصطناع الذي يكون من الناس الطبيعيين مجتمعاً مدنياً (سياسياً)”. ففي حالة الطبيعة لا يوجد بعد أي نوع من أنواع الحكومات، ولهذا فإن العقد الأصلي ليس مبرماً بين الحكومة والمحكومين بل هو مبرم بين سائر مواطني المستقبل في الدولة. وعلى قاعدة إرادتهم المجتمعة، ينقل الأفراد السيادة إلى إنسان واحد أو مجلس يمارس السلطة. فيما بعد بمقتضى هذا العقد “ويمثل الملك، أو رئاسة الجمهورية، التي أحيلت إليه كل سلطات المتعاقدين إرادة الجميع من خلال إرادته. من هنا نفهم أن السلطة تنبع من الشعب باعتبارها مستندة إلى إدارة كل الأفراد الحرة. وحين تتجسد السلطة في إرادة الملك، فإن على الأفراد الخضوع كلياً لقوانينه، باعتبار إن ادارته الملك متطابقة مع إرادة الدولة. “يستنتج هوبز إذن الدولة كنتاج ضروري لقابليات الأفراد الطبيعية. ومن هنا بالذات يتطابق الحق الايجابي (العملي) مع القوانين السارية في الدولة وينطبق الحق الطبيعي عند هوبز على كل أفعال الإنسان التي تنتج بالضرورة عن طبيعته، في نطاق تعلقها باعتبارات عقلانية”. في كتابه اللوياثان، أو الوحش، أو الإنسان المصطنع، أو ما يسيء بالدولة (كومنولث) وباللاتينية CIVITAS، ينطلق هوبز، من المقولة التالية بالنسبة لكل إنسان، الإنسان الآخر مناقض له، طامع مثله في السلطان بمختلف أشكاله، وهذا يقود إلى نتيجة الحرب الدائمة جزاء المنافسة، والتحدي المتبادل، والطموح والمجد، فالحرب، هي حرب “كل واحد على كل واحد” و«الكل على الكل». فالحرب موجودة، وليس السلم، والإنسان ذئب للإنسان. لهذه المعطيات اقتضى وجوب إبرام العقد الاجتماعي، الذي يتجسد في الدولة، التي يسميها هوبز بالتنين.