لا تزال السمة الغالبة للعمل السياسي بين الأحزاب هي النيل من الآخر بدلاً من التواصل والحوار ومد جسور الثقة بين شركاء العمل السياسي من السابق لأوانه القول بأن لجنة الحوار الوطني قد وصلت إلى طريق مسدود، ولكن لابد من الاعتراف بأن هنالك عوائق جمة تقف في طريق لجنة الحوار الوطني، فأحزاب اللقاء المشترك، باعتبارها أحد طرفي العمل السياسي تشعر بأنها أقل من أن تقوى على الحوار الجاد مع السلطة بما يفضي إلى حلول ملزمة يترتب عليها تحقيق مكاسب سياسية، ففضلاً عن أن أحزاب اللقاء المشترك تخوض مضمار الحوار الوطني بقيادة غير موحدة، تصر هذه الأحزاب – في الوقت نفسه- على إثقال كاهل لجنة الحوار بتوسيع نطاق المشاركة، رغبة في تعزيز موقفها، وممارسة المزيد من الضغط على السلطة، من خلال نسج تحالفات جديدة، أو مشترك موسع مع الحوثيين و قوى الحراك الجنوبي و المعارضين في الخارج.. متناسية أن الدستور لا يقر بغير الأحزاب والتنظيمات السياسية المعترف بها كقنوات شرعية لممارسة العمل السياسي، فمع الاعتراف بحق مختلف القوى الفاعلة في رسم ملامح المشهد السياسي الجديد، إلا أن الدعوة لتوسيع قاعدة الحوار، وفقاً لم تراه قيادات اللقاء المشترك، يتضمن الكثير من التبسيط والتسطيح لطبيعة الوضع السياسي الذي تمر به اليمن ولمطالب الأطراف التي تتبنى دعوتها للجلوس على طاولة الحوار، فما يجمع بين أحزاب اللقاء المشترك والحوثيين وقوى الحراك الجنوبي والمعارضة في الخارج ليس سوى الخصومة السياسية للسلطة – ولا نقول العداء لها. فالملاحظ أن العلاقة بين السلطة والمعارضة لا تزال، في معظمها، تتسم بردود الأفعال، ولا تزال السمة الغالبة للعمل السياسي في السلطة والمعارضة هي النيل من الآخر بدلاً من التواصل والحوار ومد جسور الثقة بين شركاء العمل السياسي، فقوة أي طرف، لا تقتضي إثبات صفة الضعف بالآخر، و إذا كانت السلطة والمعارضة وجهين لعملة واحدة -حسب المقولة المتداولة- فهل يصح أن نقول بأن قيمة هذه العُملة تكمن في أحد وجهيها دون الوجه الآخر، أو أن نقول بأن وجه هذه العملة سليم و الآخر مزور، لذا فإن من الأهمية بمكان أن تحرص وسائل الإعلام الحزبية على تجنب التشويه الإعلامي للآخر كمقدمة لمد جسور الثقة التي يتطلبها الحوار، كما أن على الإعلام المعارض الالتزام بالثوابت الوطنية، فمهما تكن الأخطاء التي ارتكبتها السلطة وأياً كانت جوانب القصور التي اكتنفت أداءها، تظل المنطلقات الوطنية هي القاعدة التي يقوم على أساسها الحوار، وأبسط ما يقتضيه هو انطلاق الأطراف المعنية من منطلقات وطنية، والتزامها بالثوابت الوطنية، وهي مسألة تتطلب التعامل المسئول معها، فالتعقيدات التي تكتنف المشهد السياسي والتي ترتبط بتعدد المشكلات واختلاف الأزمات، ابتداءً بمطالب الإصلاح السياسي التي تتصدر مطالب اللقاء المشترك ثم قوى الحراك الجنوبي بقيادتها الهلامية التي يصعب التحاور معها ومطالبها التي تتفاوت بين الاعتدال و التطرف الذي يصل إلى حد المساس بالوحدة، و مروراً بالحوثيين كحركة (مسلحة) تنحصر مطالبها في إطار فئوي لا يرقى إلى مستوى التعبير عن الهم الوطني، وصولاً إلى المعارضة في الخارج، بما تحمله من تمسك بالأفكار التشطيرية، مما يعني أن اشتراط أي طرف ضرورة أن يتم الحور مع هذا القوى مجتمعة، هي مسألة يمكن أن تعمل على وأد الحوار الوطني، بل إجهاضه قبل ولادته، فالرغبة في توسيع نطاق الحوار -على النحو الذي يتم طرحه- تغفل ما أحرزته اليمن من مكاسب دستورية لا يمكن للحوار إن يتم بعيداً عنها، فقنوات الحوار في بلدٍ يتميز بالحياة البرلمانية تنحصر في إطار الأحزاب السياسية المعترف بها والممثلة في مجلس النواب، إذ أن مسار الإصلاح السياسي لا يمكن أن تضطلع به سوى الأحزاب السياسية باعتبارها القنوات المعترف بها للممارسة السياسية، مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة الحرص على التسوية العادلة لما خلفته الحرب، سواء في المحافظات الجنوبية والشرقية أو في محافظة صعدة. فما يتطلبه الحور الوطني هو الجدية و الحرص على الاستقرار والوحدة انطلاقا من الشعور بصعوبة الخروج من حالة الاحتقان السياسي دون تفعيل المشاركة السياسية، فالمعارضة وإن لم تكن جزءاً من المشكلة إلا أنها يمكن أن تكون جزءً من الحل، ومهما تكن أحزاب المعارضة ضعيفة فالحوار يقتضي من الطرف الذي بيده الكثير من الأوراق السياسية أن ينسى ما يمتلكه من أدوات التفوق على الخصم ليصبح بمستواه. وكما أن الحوار يقتضي الابتعاد عن التعالي والانطلاق من موقع المتفضل من جانب السلطة، فلا شك أنه يتطلب -في الوقت نفسه- الواقعية من جانب المعارضة بما يمكنها من ردم الهوة وتعزيز الثقة اللازمة لترويض السلطة على القبول بالمزيد من مطالب الإصلاح السياسي فالارتقاء إلى مستوى الندية التي يتطلبها الحوار أمر مرتبط بالحجم الحقيقي وليس الافتراضي للمعارضة فإذا كان بمقدور المعارضة تحريك الشارع -كما تقول- هل بإمكانها إحداث التأثير الايجابي المطلوب، جماهيرياً، لإخماد الحراك الجنوبي وتجفيف بواعث التمرد في صعدة. ومن المهم التعامل بمسئولية مع الحوار الوطني حتى يصل إلى الأهداف المنشودة ابتداءً من تحمل الصحافة الحزبية والرسمية لمسئوليتها في تجنب حملات التشويه لصورة الآخر، وصولاً إلى إيمان قادة الأحزاب السياسية ولجنة الحوار الوطني بأهمية الحوار كمخرج للأزمات التي يمر بها الوطن و كبديل لدوامات العنف، فلا تقف طموحات الحوار عند مجرد الرغبة في استئناف الحوار أو الجلوس على طاولة التفاوض، حتى يصبح الحوار الوطني آلية لتجاوز الأوضاع والأزمات التي تمر بها الوطن .