عاش شعبنا اليمني ردحاً طويلاً من الزمن في ظل الجهل والتخلف بسبب حكم الأئمة والسلاطين، فقامت الثورة اليمنية الخالدة لتقضي على الحكم الإمامي الكهنوتي الذي كان جاثماً على الجزء الشمالي من الوطن واعتمد في إطالة سنوات حكمه على الدجل والشعوذة، ورغم مرور ما يقارب ال48 عاماً على قيام ثورة ال26 من سبتمبر الخالدة 62م التي قضت على عهد الظلم والجهل والتخلف وحطمت أسوار السجن الرهيب الذي كان يعيش فيه الشعب اليمني معزولاً عن العالم.. ورغم انتشار التعليم إلى كل قرية وعزلة في عموم الوطن اليمني ورغم أننا نعيش في القرن الواحد والعشرين إلا أنه وللأسف الشديد مازال لعهد الجهل والظلام والدجل والشعوذة وجود يعشعش في عقول الكثيرين الذين لا يزالون يؤمنون بالشعوذة والمشعوذين سواءً من الرجال أو النساء وخصوصاً في المناطق الريفية ،حيث يلجأ هؤلاء إلى المشعوذين في الحالات المرضية لمعالجة مرضاهم بدلاً من الذهاب إلى المشافي. الاثنين الماضي قام أحد المشعوذين بإزهاق روح فتاة لم يتجاوز عمرها السادسة عشرة من عزلة بني عيسى بمديرية جبل حبشي وكان المشعوذ قد حضر إلى منزل الفتاة بناءً على طلب من والدها بهدف معالجتها بالقرآن وبدلاً من علاجها قام بقتلها ،حيث ادعى أن بها جنياً يسكن جسمها وسيقوم بإخراجه فبدأ بممارسة طقوس الشعوذة التي يمارسها وقام بخنق الفتاة بحجة أنه يخنق الجني ليجبره على الخروج ولم يتركها إلا جثة هامدة فحاول أهلها إسعافها إلى أحد المستشفيات بتعز ولكنها للأسف كانت قد فارقت الحياة فتم إيداعها ثلاجة الموتى في هيئة مستشفى الثورة العام ،وقام أقرباء الفتاة بإبلاغ إدارة أمن مديرية جبل حبشي بالجريمة وتم إلقاء القبض على المشعوذ وإيداعه السجن لاستكمال جمع الاستدلالات الأولية ومن ثم إحالته إلى النيابة.. هذه الفتاة كانت لا تزال في ربيع عمرها وتحلم كغيرها من أقرانها الفتيات بيوم زفافها وأن تعيش لحظات الفرح مع فارس أحلامها الشاب الذي كان قد خطبها وتم تحديد زفافهما في عيد الأضحى القادم، ولكن المشعوذ الدجال قام بإزهاق روحها البريئة أمام والديها وبقية أفراد أسرتها فمن المسئول عن ذلك؟ هذه الفتاة المسكينة هي واحدة من عشرات الفتيات والنساء اللواتي ذهبن وما زلن يذهبن ضحية للجهل والدجل والشعوذة منهن من أزهقت أرواحهن على أيدي المشعوذين والدجالين كهذه الفتاة ومنهن من فارقت الحياة معتلة بمرضها الذي سببه لهن المشعوذون خلال فترة ترددهن عليهم بسبب وصفات العلاج التي يصفها لهن المشعوذون. قبل أيام كشفت دراسة يمنية حديثة أن عدد النساء اليمنيات اللاتي يذهبن إلى المشعوذين سنوياً يصل إلى حوالي ستة وخمسين ألف امرأة تقريباً وينفقن حوالي مائة وأربعين مليون ريال سنوياً على وصفات علاج وتمائم من المشعوذين وهذا أكبر دليل على أن الجهل مازال معشعشاً في مجتمعنا اليمني وخصوصاً في الأرياف.. والسؤال هو ما دور الإعلام وخطباء المساجد في مثل هذه القضايا الاجتماعية التي هي بحاجة إلى تضافر الجهود لمحاربتها؟!.