“1” السيرة الذاتية فن حديث من فنون الأدب.. وأحسب أن المؤلفين العرب قد عرفوا هذا الفن من قديم, ولكن مع المفارقات الأساس، أبرزها (ستر ما ستر الله). أقول: عرف العرب هذا الفن باسم “التراجم” فمعظم المؤلفات اقترنت بتراجم عن المؤلفين ولو بتقديم نبذ عن حيواتهم، ليست ضافية. وهناك مؤلفات خاصة بالتراجم وبعض سيرة حياة لمؤلفين مثل: (معجم المؤلفين) لرضا كحالة و(سيرة أعلام النبلاء) للإمام الذهبي، (معجم الأدباء) لياقوت الحموي. السيرة الذاتية هي رصد حياة إنسان من بداية وجوده حتى مغادرة هذا الوجود. ولعل النهضة الحديثة الغربية قد دفعت بعض العرب المعاصرين من الأدباء والمفكرين إلى أن يحذوا حذوهم، فكتب طه حسين (الأيام) وكتب أحمد أمين (حياتي) وكتب توفيق الحكيم (عصفور من الشرق) وإن كان الجاحظ في القرن الثالث للهجرة قد كتب سيرة طائفة من أخلاق الفرس (أهل مرو) خراسان باسم (البخلاء). يكتب المؤلف في سيرته الذاتية، نشأته، كيف بدأ يدرك العالم, وكيف بدأ يشعر بوجوده، يرصد حياة الأسرة، الشارع، القرية، المدينة، بداية دخوله المدرسة، الجامعة، ما عرض له في الحياة من سعادة وشقاء, علاقته بنفسه، بالأسرة، بالزوجة بالأبناء، بالناس، بالعمل، بالريف، بالمدينة.. إلخ, موقفه الفلسفي من الحياة، لا موقف. ويتميز كاتب السيرة الذاتية في المجال العربي بحرصه على ألا يعرض للمواقف الخاصة، والشخصية بالذات، ففي ثقافتنا العربية تسود فكرة (المسكوت عنه). وقبل سنوات أهداني الصديق عزالدين سعيد أحمد سيرة ذاتية لكاتب مغربي هو محمد شكري: (الخبز الحافي) تعد جريئة إلى حد ما. وحاولت الكاتبة الجزائرية أن تبوح بشيء من هذا المسكوت عنه عبر ثلاثيتها، خاصة (عابر سرير) فلم تقدر، ومثلها من قبل غادة السمان; فلم تستطع, ومثلها نورة الشملان فاستحيت, ومثلها فتحية العسال فما جرؤت. في الغرب يقول الأديب، المفكر، الصحافي وهو يكتب حياته أو سيرته الذاتية كل شيء، فلا مسكوت عنه في الغرب على غرار المفكر، الشاعر (بودلير) صاحب ديوان “أزهار الشر” وعلى غرار كثيرين من مواطنيه الفرنسيين. أما الذي يقضي عليه الموت فإن زملاءه يكتبون سيرة حياته – وهم صادقون – لأن هذه الحياة تكاد تكون معروفة لدى الجميع. هناك بعض سيرة ذاتية لشعراء عرب جاهليين، مما سكت عنه، مثل طرفة، وامرئ القيس، وأمويين مثل الوليد بن يزيد، وعباسيين مثل أبي نواس وحسين بن الضحاك (الخليع). ... وغداً نكمل.