في الجدل القائم حول ملكية الخشب يعتمد الناس على مبدأ بسيط ظاهريًا لكنه معقد في تطبيقه وهو أن الأرض التي يتدفق منها الماء نحو قطعة أرض صالحة للزراعة تعود ملكيتها لمالك تلك الأرض الزراعية غير أن هذا المبدأ رغم بساطته النظرية يتعقد في الواقع بسبب طبيعة الجغرافيا وصعوبة تحديد اتجاهات الجريان بدقة إذ تتداخل المجاري المائية وتتشعب مما يؤدي إلى اختلافات في تحديد تبعية الأشجار والمناطق الزراعية .. فقد تُوجد مجموعة صغيرة من الأشجار تنتمي إلى عائلتين أو ثلاث فقط لأن جريان الماء منها يتجه إلى أراضيهم وحدهم بينما نجد مجموعة أخرى من الأشجار تبعد أمتارًا قليلة تُعد ملكًا لمستوطنة كاملة لأن المياه المتدفقة من موقعها تصب في أراضي تلك المستوطنة دون انقسام وهكذا يصبح مبدأ الجريان محددًا لحقوق الملكية بشكل اعتباطي تبعًا لموقع القرى والمجاري فنجد أشجارًا تقع بجوار قرية لكنها في الحقيقة تابعة لقرية أبعد لأن جريان الماء يتجه نحو تلك القرية الثانية . لكن هذه القاعدة لا تطبق دائمًا بشكل صارم إذ توجد حالات تكون فيها الأشجار التي يفترض أن تعود لقرية أوفقًا لجريان المياه مملوكة فعليًا للقرية بسبب حدود معترف بها اجتماعيًا بين القريتين فالقرى وملحقاتها تُعتبر وحدات قائمة بذاتها لها خطوط فاصلة تُعرف بالأصنام أو العلامات الحجرية التي تحدد نطاق كل قرية ومن الأمثلة على ذلك منطقتا أصنام العليا وأصنام الصف حيث يمثلان منطقتين تابعتين لعائلتي دمينة ومعطرة على التوالي وعلى الرغم من أن الجغرافيا لا تُظهر انقسامًا واضحًا للمستوطنة إلا أن الحدود بينهما تُرسم بخط من الأحجار على جانبي مجرى الوادي وعند هذا الخط تبدأ قاعدة الجريان وتنتهي . ومع أن نظام الصرف يحدد حقوق الملكية والاستخدام إلا أنه لا يُحدد القرى أو القبائل بدقة فالوادي الواحد قد يمر عبر أراضٍ لقبائل مختلفة فوادي عمير مثلًا يمتد من الأخباب شمال برّاط إلى البحباح في أراضي ذي حسين وتُظهر المنطقة تنوعًا كبيرًا في الانتماءات القبلية فالأخباب تخص آل صلاح بينما نصيف في الجنوب الشرقي تعود لهم أيضًا والمطلاع تتبع آل دمينة في حين أن حجان تنتمي إلى المعاطرة أما منطقة المالح قرب العقبة فهي آخر مستوطنة قبل أراضي ذي حسين وتُعتبر من ممتلكات منوع المتحالفين مع آل دمينة رغم وقوعها على خط الحدود ويُلاحظ أن مياه الأمطار التي تسقي حجان تأتي من واديين هما عمير وأصنام ما يعكس تشابك موارد المياه وتداخل الحدود وتُروى قصص محلية عن صراعات قديمة أدت إلى تغيير حدود القرى إذ يُقال إن بعض الأقسام القبلية أجبرت غيرها على الرحيل عن أراضيهم لكن إثبات ذلك تاريخيًا أمر صعب فبعض الأسماء تتكرر في مناطق مختلفة مثل المهاشمة الذين يُذكرون في عدة مواضع داخل أراضي ذي محمد وآل سليمان وربما يشيرون إلى قبيلة صغيرة أو بقايا فروع من مجموعات أقدم كما أن أسماء مثل عذار ومرعبة والهذيل تتكرر في أماكن متعددة مما يدل على أن انتقال الأسر أو إعادة استخدام الأسماء كانت ظاهرة مألوفة وتشير بعض الروايات إلى أن عددًا من عائلات ذي محمد وذي حسين حول برّاط جاؤوا أصلًا من نجران أو عسير لكن لا يوجد اتفاق على هويتهم الدقيقة أو زمن انتقالهم ومع ذلك فإن القرى الحالية تعتبر مواقعها وحدودها أمرًا مسلمًا به منذ القدم رغم أن استخدام الأرض قد يتغير مع الزمن تبعًا للعلاقات الاجتماعية بين المجموعات فعلى سبيل المثال يمكن لأي شخص أن يحفر بئرًا داخل أرضه الخاصة لكن إذا كان هناك شك في حدود الملكية فعليه تقديم وثائق واستدعاء شهود لإثبات حقه أما إذا أراد الحفر خارج أرضه فيجب الحصول على موافقة جميع من تعود لهم ملكية الأرض وفي الأراضي المشتركة المعروفة باسم الفيشة أو الشعراء وهي مناطق الرعي العامة فإن البئر الجديدة تُعتبر سبيلًا أي عملًا عامًا لله يستفيد منه الجميع وقد وُضعت قواعد تفصيلية لمثل هذه الحالات؛ فلو أن أحد سكان الملازيم أقام على أرض بيضاء (أي أرض غير مملوكة لأحد) وحفر بئرًا أو بنى منزلًا ثم جاء آخر يريد البناء بجانبه تُحدد منطقة محرّمة لا يجوز التعدي عليها: مسافة تساوي ارتفاع المنزل حوله وطول حبل البئر حولها ومع حفر البئر الجديدة تُفتح إمكانية استصلاح أراضٍ جديدة للزراعة ويتشكل نظام جريان جديد يحدد اللبن والحدود مما قد يغير التوزيع القائم للملكية لكن ذلك لا يتم إلا بموافقة جميع الأطراف المتأثرة وهو نادرًا ما يتحقق في المناطق المأهولة وهكذا يتضح أن مسألة ملكية الأرض والموارد في برّاط ليست مجرد قضية جغرافية بل شبكة معقدة من الروابط الاجتماعية والقبلية حيث تتقاطع القواعد المائية والعرفية لتشكل نظامًا دقيقًا ومتوارثًا يجمع بين القانون الطبيعي والعرف القبلي في آنٍ واحد .