في خضم التحديات العسكرية المباشرة التي يخوضها اليمن في جبهة الصراع المفتوح ضد قوى العدوان، يتكشّف اليوم فصل جديد وأشد ضراوة في هذه المعركة الوجودية: حرب الإبادة الاقتصادية الصامتة. لم يعد الأمر يتعلق بفرض حصار جائر من الخارج فحسب، بل بكشف شبكات تجسس وتخريب تعمل بعمق في شرايين الوطن، تحت ستار "الإغاثة" الزائف وعباءة "التنمية" المضللة. لقد أسقطت الأجهزة الأمنية في صنعاء القناع عن إحدى أخطر هذه الأدوات، وهي ما سُمّي ب "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية" (USAID)؛ التي لم تكن إلا غرفة عمليات استخباراتية متقدمة، تُدير أجندة صهيونية-أمريكية هدفها المعلن هو هدم الدولة اليمنية من الداخل. الاعترافات المُدوية التي تم بثها، والتي تجاوزت مجرد التجسس إلى محاولات اقتحام مباشر لسيادتنا المالية واستهداف ممنهج لبنيتنا التحتية من زراعة وصحة، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن واشنطن وتل أبيب تشنان حرباً شاملة لتحويل الأمة إلى جسد مريض، تابع، ومستورد بشكل كامل، عبر سلاح التبعية القاتلة. في هذا الحوار الحاسم، سنخوض في تفاصيل هذا المخطط الإجرامي، محللين الأبعاد الحقيقية ل "شبكة التنمية الأمريكية" وكيف تُحوِّل أدوات مثل نظامي "سويفت" و"أتمتة" إلى أسلحة هيمنة رقمية واستباحة لسيادتنا. فهل سيبقى الاكتفاء الذاتي مجرد شعار، أم أنه سيتحول إلى واجب المقاومة المقدس والسبيل الوحيد لكسر سلاسل العبودية الاقتصادية الصهيو-أمريكية؟ نستضيف الأستاذ سليم الجعدبي، المحلل والخبير الاقتصادي، لقراءة المشهد. حاوره: يحيى الربيعي * شاهدنا تصعيداً غير مسبوق في الخطاب اليمني بخصوص الحرب الاقتصادية، خاصة بعد الاعترافات المُدوية التي بثتها الأجهزة الأمنية في صنعاء بشأن "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية" (USAID). كيف تقرأون هذه الاعترافات، وما هي الأبعاد الحقيقية لما أُطلق عليه اسم "شبكة التنمية الأمريكية"؟ ** ما كُشف ليس مجرد "اعترافات"، بل إعلان صريح عن حرب وجودية شاملة تُدار علينا تحت ستار "الإغاثة" و"التنمية" الزائف. لقد أكدت هذه المعطيات، الموثقة أمنياً، أن "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية" لم تكن سوى غطاء استخباراتي متقن لتنفيذ أجندة صهيونية -أمريكية تهدف إلى هدم الدولة اليمنية من الداخل. وبالتالي لايمكن لأي عاقل اليوم أن يصدق بعد اليوم بأن "المساعدات" كانت بريئة. * ما هي أبرز الأهداف التي سعت إليها هذه الشبكة الاستخباراتية في القطاع الاقتصادي والمالي تحديداً؟ ** الأهداف كانت واضحة وصريحة؛ اختراق وشلّ شرايين السيادة المالية الوطنية من خلال:- 1. الاقتحام المالي المباشر: اعتراف أحد الجواسيس بمحاولة الحصول على "شفرة التراسل البنكية للبنك المركزي اليمني" هو قمة العدوان. إنه ليس تجسساً، وإنما محاولة لفرض وصاية مالية كاملة لتحويل القرار المالياليمني إلى مجرد دمية في قبضة الإمبريالية الأمريكية. 2. بنوك أهداف للابتزاز: لم يكن جمع البيانات عن الأسر الفقيرة لغرض إنساني كما يزعمون. كان الهدف هو تكوين "بنك أهداف" اجتماعي واقتصادي، ليتسنى لهم توجيه الضغوط، والتلاعب بأسعار السوق، واستغلال حاجة الناس لإحداث قلاقل اجتماعية يمكن استثمارها سياسياً لخدمة مشروع الهيمنة. * لكن الأخطر، بحسب النص، هو الاستهداف الممنهج للبنية التحتية، تحديداً الزراعة والصحة. ما هو المغزى الاقتصادي وراء هذا التخريب المُعلن؟ ** المغزى هو تحويل الأمة إلى "أمة مستوردة" بشكل كامل، وإلغاء أي قدرة على الاكتفاء الذاتي. هذا تكتيك استعماري قديم متجدد! اليمن تحول من بلد مكتفٍ ذاتياً من محاصيل أساسية إلى مستورد لأكثر من ثلاثة ملايين طن من القمح سنوياً، بكلفة هائلة حيث تُقدّر فاتورة الاستيراد للجمهورية اليمنية ب 12 مليار دولار! هذا التحوّل ليس صدفة ولا نتيجة حرب عسكرية فقط، بل هو نتيجة مباشرة ومنطقية لهذه الأجندة التخريبية التي تضمن التبعية الدائمة لقوى العدوان. إنه إفقار قسري يؤسس لتبعية لا تنتهي وبالتالي تتحقق أهداف الأمريكي والصهيوني عند تحويل البلد إلى دولة مستوردة والمتمثلة في زيادة الطلب على الدولار الأمريكي لتوفير فاتورة الإستيراد وبالتالي رفع أسعار صرف العملة المحلية تمهيدا لوصولها إلى الانهيار وخير دليل على ذلك إن سعر الدولار كان في عام 1968م قرابة 2.79 ريال للدولار، وارتقع بعد تحول اليمن إلى دولة مستوردة إلى 215 ومن ثم إلى 250 ريال أي أن الارتفاع وصل قرابة 90 ضعيف. وبالتالي كيف يعقل أن دولة مثل اليمن دخلت نادي مصدري النفط في العام 1986 م ووصل إنتاجها في أوجه إلى قرابة 500 ألف برميل يوميا ودخلت في نادي مصدري الغاز عام 2009 م بكمية سنوية تقدر ب 6.5 مليون طن من الغاز المسال يرتفع فيها أسعار الصرف على الرغم من أنها صدرت خلال الفترة 1986 – 2013 م كمية تقدر 2.9 مليار برميل نفطي بقيمة تعدت 140 مليار دولار أن ترتفع فيها أسعار الصرف بذلك الشكل الجنوني بالإضافة إلى تكبد اليمن نتائج إقتصادية كارثية تمثلت في التالي:- 1 - ديون خارجي أثقلت كاهل الشعب والاقتصاد الوطني وصلت إلى 7.2 مليار دولار. 2 - قروض وديون لكل القطاعات الاقتصادية بما فيها القطاع الخاص تعدت 2 مليار دولار. 3 - نمو الناتج المحلي 8.5 (بالسالب). 4 - عجز موازنة يقارب 3 مليار دولار سنويا. 5 - عجز في الميزان التجاري قارب 2 مليار دولار سنويا. سلاح التبعية والإبادة الصامتة * ننتقل إلى نقطة بالغة الحساسية ذكرها النص، وهي تحويل الغذاء والدواء إلى "سلاح إبادة صامتة" تحت سيطرة العدوان الصهيو-أمريكي. كيف يتم تفعيل هذا السلاح في ظل الاستيراد الكاسح؟ ** هذه هي ذروة وحشية العدوان! عندما تسيطر الشركات الأمريكية والصهيونية على كل شيء نستورده، من حليب الأطفال إلى الأدوية والملابس، فإننا نصبح عرضة ل اغتيال الجيل القادم ب "السم الصامت" تخيل معي أن إيرادات شركة نستله (المتخصصة في صناعة أغذية وحليب الأطفال وغيرها من المنتجات الغذائية في العام الواحد تتعدى 103.9 مليار دولار أمريكي ما يعادل 30 % من إيرادات السعودية التي تنتج في اليوم الواحد 12 مليون برميل. * تقصدون أن يتم زرع مواد *ضارة أو مسرطنة في هذه الواردات بشكل متعمد؟ ** هذا هو المنطق الإجرامي للعدو! العدوان لا يكترث بالوسيلة: إما أن يقتلك بصاروخ أو يقتلك بعلبة شوكولاتة أو عبوة دواء. السيطرة على وارداتنا تضمن للعدو تحويل الاقتصاد إلى أداة إفناء. الهدف ليس تمرير بضاعة فحسب، بل تدمير القوة الذاتية وإبقاء الأمة في حالة تبعية اقتصادية دائمة تُؤمّن للعدو حبل النجاة الاقتصادي. إننا نُغذي العدو باستيرادنا، ثم يغدينا بالسموم في المقابل. هذه "التبعية القاتلة" هي أكبر خيانة للذات وللعلم سبق وأن نبه الشهيد القائد لخطورة مثل هذه الشركات فعلى سبيل المثال ورد في دروس مضان الدرس السادس سورة البقرة النص التالي (ألم يحصل هنا مقاطعة للكلمة؟ قاطع المسلمون في أيام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) كلمة؛ لأن استخدامها يمثل ماذا؟ دعماً لليهود، إذاً فأنت قاطع بضائعهم؛ لأن بضائعهم تشكل دعماً مادياً كبيراً لهم وتفتح عليك مجال لأن تتقبل كل ما يريدون أن يوصلوه إلى بدنك إلى جسمك من سموم أو من أشياء لتعقيمك حتى لا تعد تنجب أو تورث عندك أمراضاً مستعصية أشياء كثيرة جداً مع تقدمهم العلمي يعتبرون خطيرين جداً، سيطرتهم على الشركات التي تعتبر متطورة في صناعات أشياء خطيرة من المواد السامة عناصر كثيرة تستخدم قد أصبحوا يستخدمون عناصر تؤثر نفسياً تقتل عندك الاهتمام تصبح إنساناً بارداً لا تهتم ولا تبالي. "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ". ثم يعود بالحديث إلى أهل الكتاب أنفسهم "مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا" أنتم أمام جهة خطورتها هكذا "مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ" يأتي بالمشركين بعد الذين كفروا من أهل الكتاب فيما يتعلق بقلة خطورتهم فعلاً "مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ". * ذكرتم أن هذا المخطط لم يقتصر على الجانب المادي، بل امتد إلى الوعي والتعليم، فيما يُعرف ب "حرب الجيل الرابع". **بالتأكيد. التخريب الفكري يُوازي التخريب المالي. الاستهداف المباشر للمناهج التعليمية ومحاولة إعادة استقطاب الطلاب لغرس مفاهيم تغريبية وتفكيكية يتنافى مع النهج المقاوم. هذا هو الجانب الأخطر؛ فبدون وعي مُحصّن، لا يمكن بناء اقتصاد مُقاوم. وتأتي كلمة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي حول المستجدات في غزة 24 ربيع الثاني 1447ه 16 أكتوبر 2025م، لتؤكد أن التغلغل الأجنبي، حتى عبر "برنامج الغذاء العالمي"، يسعى لاستخدام أدوات العمل الإنساني ك "حصان طروادة" لجهاز تجسس وتخريب واسع النطاق، يهدف لتسهيل وصول "العميل الاقتصادي" إلى مفاصل الدولة. احتلال رقمي واستباحة للسيادة *بالحديث عن الهيمنة، يتناول النص آليات الهيمنة المالية العالمية، تحديداً دور نظامي "سويفت" و"أتمتة". كيف تُحول واشنطن وتل أبيب هذه الأدوات التقنية إلى أسلحة استعمارية؟ ** الأمر لا يتعلق بخلل، بل ب "احتلال رقمي مُنظّم" عبر:- 1. "سويفت" والهيمنة الاستخباراتية: على الرغم من موقعه الأوروبي، فإن واشنطن تُمسك بخناق "سويفت" وتفرض على الدول اتفاقيات تجعل كل معاملة بنكية مكشوفة أمام المخابرات الأمريكية ووزارة الخزانة! هذه الآلية تُحوّل كل حركة مالية إلى ملف استخباراتي مفتوح، في اختراق فاضح لسيادة الأمة. إن سلاسل التمويل العالمية فخ تبَعية بامتياز. 2. "أتمتة" ذراع "ال USAID" في الخزائن: إن فرض نظام مالي إلكتروني مثل "أتمتة" على وزارات المالية بتمويل من "وكالة التنمية الأمريكية" (الذراع الاستخباراتي) هو اعتداء سافر. هذا النظام يتيح التجسس المباشر على كل إيرادات ونفقات الدول، ما يعني أن قرارات الدول العربية المالية مخترقة ومكشوفة مسبقاً لأعدائها! 3. البصمة الإسرائيلية في الرقابة: وصول شركات تابعة ل "الوحدة 8200" الإسرائيلية لتنفيذ مهام الرقابة المالية في المؤسسات العربية هو فضيحة كبرى. هذا تأكيد لا لبس فيه على أن الأمن الاقتصادي للأمة مُستباح ب "البصمة الإسرائيلية" بتنسيق أمريكي مباشر. * إذاً..الحديث لا يقتصر على التجسس على الدولة، بل يصل إلى هوية المواطن؟ ** نعم، يتم استغلال أنظمة الدفع الإلكتروني و"العمل الإنساني" لجمع "البصمات البيومترية" (بصمة العين والوجه). هذه عملية اختراق لهوية الأفراد وتحويل بياناتهم الشخصية إلى أهداف محتملة في أي حرب قادمة. المنظمات الأممية تحولت إلى "منصة تجسس واسعة" بالتوقيع مع شركات استخباراتية أمريكية، مثل "بلانتير"، المرتبطة ب ال CIA. واجب المقاومة المقدس * بعد كل هذا الكشف الصادم، ما هو المخرج الفوري من هذا الحصار الشامل؟ هل يكفي "استجداء" العدو، أم أننا بحاجة إلى تحول جذري؟ ** التحول الجذري إلى الاكتفاء الذاتي هو واجب المقاومة المقدس، وليس خياراً تكتيكياً! ويتم عبر: 1. كسر وهم "المسيطر العالمي": لا يمكن إعلان الانتصار والمال والحسابات الوطنية لا تزال رهينة مخابرات العدو. إن القوة الوطنية في اليمن القادرة على تصنيع "الصاروخ الفرط صوتي الباليستي المتشظي" هي بالتأكيد قادرة على تصميم أنظمة مالية وبرامج تكنولوجية ذاتية ومؤمَّنة. الإكفاء الذاتي التكنولوجي والمالي يجب أن يكون انعكاساً للسيادة العسكرية. يجب أن نتحرر من وهم أن أمريكا قوة لا تُقهر اقتصادياً. 2. مواجهة "عملاء" الداخل: أخطر أدوات العدوان هي البيوت التجارية ورجال الأعمال المرتبطون برأس المال الصهيو-أمريكي، الذين يعملون ك "موظفين" لتلقي الأوامر. هؤلاء هم السد المنيع الذي يمنع أي تحول للاكتفاء الذاتي. الدليل هو السؤال الصريح: لماذا لا يتحول المستوردون إلى منتجين؟ الإجابة هي أن المُستفيدين من التبعية يمتلكون سلطة منع هذا التحول! 3. إطلاق "الجبهة الاقتصادية الشعبية": المقاطعة وحدها لا تكفي. يجب على الشرفاء من التجار اغتنام هذا الفراغ والتحول من مستوردين إلى مُصنِّعين للمواد الخام محلياً. ندعو إلى تفعيل الشراكة الثلاثية الفعالة (الدولة، التاجر، المواطن)، على غرار نداء الإمام علي. * كيف يمكن تمويل هذا التحول الجذري؟ ** بالتمويل الشعبي. الفكرة الثورية هي إطلاق شركات مساهمة شعبية يساهم فيها كل أبناء اليمن ولو بمبالغ رمزية. هذا التمويل يجب أن يذهب نحو إعادة إحياء المصانع الاستراتيجية المملوكة للدولة، مثل مصانع الأدوية، والنسيج، والصلصة. لدينا كفاءات وطنية قادرة على تصنيع الأدوية والتقنيات بدلاً من مجرد إصلاحها! * رسالتكم الختامية؟ ** إننا في معركة وجودية لا تقل ضراوة عن الجبهات العسكرية. الطريق الوحيد لانتزاع أسلحة الفناء الصامتة من أيدي العدوان الصهيو-أمريكي هو التحول الجذري إلى اقتصاد مقاوم قائم على الإنتاج المحلي وتفعيل الشراكة الشعبية. يجب قطع كل الخيوط على المتجسس والمستعمر، ورفض كل أشكال الوصاية المالية والتقنية التي تخفي خلفها مطامع الهيمنة المطلقة على مقدرات أمتنا. اليقظة القصوى وكشف الألاعيب هما بوابة التحرر.