في الذكرى السنوية للشهيد تتوقف عقارب الزمن احتراما لرجال كتبوا بدمائهم تاريخ الوطن ولأرواح حلقت فوق حدود الخطر كي تظل راية البلاد مرفوعة لا تنحني. هذه الذكرى ليست للحزن بل محطة للفخر والاعتزاز والتجديد لعهد الوفاء للدماء وللأرواح التي رفعت راية الوطن نستعيد فيه معنى الانتماء حين يتحول إلى تضحية صادقة لا تعرف المساومة. في الذكرى تتنفس الأرض عبق البطولة. كل حبة تراب تنطق باسم من ارتقوا وكل نسمة هواء تمر فوق وجوهنا تذكرنا أن هناك من جعلها ممكنة من حمل عنا أعباء الخوف ووقف في وجه العاصفة ليهبنا أمان الصباح. إنهم أولئك الذين لم تغرهم الحياة بزخرفها بل أدركوا أن القيمة الحقيقية للإنسان أن يكون درعا لأرضه وسيفا للحق حين يتراجع الجميع. إنهم شهداؤنا الأبرار الأحياء عند ربهم يرزقون .. غابت أجسادهم عناربما تحت التراب لكن ذكراهم وأرواحهم الطاهرة لم تغب ولا تزال تتجول بيننا نسمع أصواتهم في صوت الأذان وفي نداء الوطن ونرى ملامح شخصياتهم في ابتسامة طفل ينمو على أرض حرة ونقرأ تفاصيل قصة تضحياتهم وبطولاتهم في قصة صبر كل أم قدمت شهيداً فأصبحت أما للوطن كله وفي قصة إيمان ووطنية كل بيت نال شرف الفقد حتى صار بيتا للأمة جمعاء. لذلك كله فإن الذكرى السنوية للشهيد عهد ووعد نجدده بأن تظل الأمانة محفوظة وأن تبقى تضحياتهم منارة تهدينا في دروب الحياة فالأوطان لا تبنى بالحجارة وحدها بل تبنى بقلوب مؤمنة وبدماء طاهرة تسقي جذور الكرامة. في الذكرى السنوية للشهيد لا نبكي شهداؤنا بل نحتفي بهم كما يحتفى بالنور حين يبدد ظلمة الليل وكلما ذكر اسم شهيد ارتفع في سماء الوطن نجم جديد يضيء للأجيال القادمة طريق المجد فسلام على من صعدوا إلى الله وتركوا لنا الأرض تزهو بعطائهم وسلام على من اختاروا الخلود في ذاكرة الأمة .. إنهم معنى العزة ورمز الصبر وعنوان البقاء ولأنهم أحبوا الوطن أكثر من أنفسهم فسيظل الوطن يردد أسماءهم إلى الأبد.