عبدالوهاب حميد في ردهات الواقع اليمني المتردية، حيث تتشابك خيوط السياسة بالقدر، وتُصاغ العدالة على مقاس القوة، تطفو على السطح قضية "حميد الأسد" و"جميل شريان" كأنموذجٍ صارخ لجدلية الاعتقال السياسي وسلطة القرار المُتحكّم. هذه الحادثة، التي شهدت تضامنًا أدّى إلى القيد، وإفراجًا لم يكتمل، لا يمكن تناولها بمعزل عن قراءة نقدية فلسفية لآليات السلطة وتوزيعها للقيمة العقابية. الاعتقال كتضامن: فعلٌ وجودي في وجه النفي بدأ الأمر بتضامن "حميد الأسد" مع "جميل شريان". التضامن، في معناه الفلسفي، هو فعلٌ وجودي يتجاوز الذات الفردية ليعلن الانتماء إلى مصير مشترك، هو رفضٌ للوحدة في مقابل الجماعة، وتأكيدٌ على أن ظلم فردٍ هو ظلمٌ للجميع. الأسد، في هذا السياق، لم يُعتقل بسبب جريمة مادية، بل بسبب فعلٍ أخلاقي، مما يضعه في خانة المعتقل "على خلفية القيمة"، أي أنه أصبح رمزًا لموقف، وليس مدانًا بفعل. هذا النوع من الاعتقال هو اعترافٌ ضمني من السلطة بخطورة الفعل القيمي على استقرارها الآيديولوجي أكثر من خطورة الفعل الإجرامي. مفارقة الإفراج والاحتجاز: منطق السلطة المُتشظّي النقطة الأكثر إثارة للتساؤل النقدي هي الإفراج عن "شريان" واستمرار احتجاز "الأسد". هنا، تتشظّى صورة العدالة وتنكشف أبعاد اللعبة السلطوية: قيمة الأصل وقيمة الظل: "شريان" هو الأصل (القضية الرئيسية)، و"الأسد" هو الظل (المتضامن معه). الإفراج عن الأصل قد يكون بمثابة امتصاص لردود الفعل، أو قرارٍ جاء ضمن تسوية ما. لكن استبقاء الظل (الأسد) يُرسل رسالة أشد قسوة: وهي أن مجرد التضامن مع قضية حساسة هو بحد ذاته جريمة مستقلة ومقنّعة. السلطة هنا لا تُعاقب على التعبير عن الرأي فحسب، بل على التعاطف معه، أي أنها تحاول تجميد المشاعر الإنسانية النبيلة وتحويلها إلى أفعال معاقبة قانونيًا. التفاضل في الخطورة الرمزية: ربما رأت السلطة أن "شريان" يمثل قضية يمكن احتواؤها أو تصفيتها، بينما "الأسد" يمثل سلوكًا تحريضيًا للقيمة (التضامن). الإبقاء عليه هو بمثابة عقوبة "التخويف" أو "ردع المقلدين". رسالة السلطة تصبح: إذا تجرأت على التضامن مع المعارض، فإن عقوبتك قد تكون أشد من عقوبة المعارض نفسه. اللعب على هامش التساهل: الإفراج الجزئي (شريان) يخلق انطباعًا زائفًا بالتساهل أو "المرونة"، بينما الإبقاء على (الأسد) يضمن بقاء "ورقة ضغط" أو "كبش فداء" يذكر الجميع بحدود الخط الأحمر. هذه استراتيجية كلاسيكية في الأنظمة الأحادية: توزيع العقاب لغاية خلق حالة من الترقّب والضبابية، حيث لا يمكن التنبؤ بمن سيتم التسامح معه ومن سيتم التنكيل به، مما يُفتت أي جبهة تضامن موحدة. السجن كفلسفة: نفي الحضور الوجودي في نهاية المطاف، سجن "حميد الأسد" ليس مجرد حرمان من الحرية، بل هو محاولة لنفي حضوره الوجودي كإنسان متضامن. إنه يُحاصر خلف قضبانٍ مصنوعة من الخوف والتعسف، بينما يقف مصيره كمرآة تعكس هشاشة العدالة في زمن الحروب والصراعات الآيديولوجية. يبقى السؤال مُعلّقًا، ليس بانتظار إجابة سياسية، بل بانتظار إجابة أخلاقية وفلسفية: متى يتحرر التضامن من وسم الجريمة، ومتى ترفع السلطة يدها عن تقييم النوايا والمشاعر؟