52% من الإسرائيليين يعارضون ترشح نتنياهو للانتخابات    الدعوة لرفع الجهوزية ومواصلة كل الأنشطة المساندة لغزة    تحرّكات عسكرية إماراتية مكثفة في الجزر اليمنية    الهلال يحسم كلاسيكو اتحاد جدة ويواصل الزحف نحو القمة    صلاح السقلدي: اتهامات شرفي الانتقالي ل"العليمي" إن لم تتبعها إجراءت ستتحول إلى تهريج    متحدث أممي: تعيين دبلوماسي فلسطيني للتفاوض بشأن إطلاق موظفين محتجزين في صنعاء    القبيلة والدولة والسياسة في اليمن: قراءة تحليلية لجدلية العلاقة في مؤلفات الدكتور الظاهري    الإرهاب السلفي الإخواني يقتل المسلمين في مساجد مصر    أبين.. اشتباكات دامية في سوق للقات بشقرة    قراءة تحليلية لنص "أمِّي تشكِّلُ وجدانَنَا الأول" ل"أحمد سيف حاشد"    قراءة تحليلية لنص "أمِّي تشكِّلُ وجدانَنَا الأول" ل"أحمد سيف حاشد"    دوري روشن السعودي: الهلال يحسم الكلاسيكو ضد الاتحاد بثنائية    من عدن كانت البداية.. وهكذا كانت قصة الحب الأول    فلاحين بسطاء في سجون الحقد الأعمى    مبادرة مجتمعية لإصلاح طريق طويل يربط مديرية الحداء بالعاصمة صنعاء    الجزائرية "كيليا نمور" تحصد ذهبية العالم في الجمباز    الآن حصحص الحق    عدن .. وفاة أربعة شبان في حادث مروري مروّع بالبريقة    نقيب الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين : النقابة جاهزة لتقديم كل طاقاتها لحماية عدن وبيئتها    بطء العدالة.. عندما يتحول ميزان الحق إلى سباق للصبر: دعوة لإصلاح هيكلي للقضاء    الذهب يرتفع وسط توترات جيوسياسية وترقب لبيانات التضخم الأمريكية.    عهد تحلم ب«نوماس» نجمة ميشلان    ترامب يعلن إنهاء جميع المحادثات التجارية مع كندا    وأخيرًا انكشف المستور.. إعلان خطير يفضح من يقف وراء الإرهاب في الجنوب    حلف القبائل بين النشأة الشريفة ووطنية بن حبريش المغشوشة    غدًا السبت.. انطلاق البطولة التأسيسية المفتوحة الأولى للدارتس – عدن    الإصابات تبعد 4 اتحاديين أمام الهلال    «فنجال».. تميمة دورة التضامن الإسلامي    الجنوب العربي بين الإرهاب والدعاية الأيديولوجية    عدن.. بين استهداف التحوّلات وإهمال المقومات    وطني "شقة" ومسقط رأسي "قضية"    العائدون والمصابون قبل كلاسيكو ريال مدريد وبرشلونة    أزمة القمح تطفو على السطح.. شركة تحذر من ازمة في السوق والوزارة تطمئن المواطنين    النائب العليمي يبحث مع سفيري فرنسا وكوريا تعزيز التعاون المشترك ودعم الإصلاحات في اليمن    صنعاء.. جمعية الصرافين تعمم بايقاف التعامل مع شركة صرافة    احباط تهريب آثار يمنية عبر رحلة اممية بمطار صنعاء    لقاء موسع لفرسان ورائدات التنمية بمديرية التحرير في أمانة العاصمة    وزارة الاقتصاد : مخزون القمح يكفي لأشهر..    صنعاء .. اجتماع للجنة التصنيع لأدوية ومستلزمات مرضى الحروق    فريق التوجيه والرقابة الرئاسي يطلع على نشاط مكتب الزراعة بمحافظة المهرة    محافظ شبوة يثمن التجهيزات الإماراتية لمستشفى بن زايد في عتق    رسمياً.. افتتاح السفارة الهندية في العاصمة عدن    الأحرار يقفون على أرضية مشتركة    نقابة الصحفيين اليمنيين تنعى الإعلامي أحمد زين باحميد وتشيد بمناقبه    الأرصاد: منخفض جوي في بحر العرب وتوقّعات بأمطار رعدية على سقطرى والمياه الإقليمية المجاورة    دراسة: الإفطار الغني بالألياف يقلل الإصابة بسرطان القولون    المحكمة الجزائية بحضرموت تقضي بإعدام 6 إيرانيين أدينوا بتهريب المخدرات إلى اليمن    المجلس الاستشاري الأسري يقيم ندوة توعوية حول الصحة النفسية في اليمن    صوت من قلب الوجع: صرخة ابن المظلوم إلى عمّه القاضي    ترامب يعلن إلغاء لقائه مع بوتين في المجر    ريال مدريد يعتلي الصدارة بعد فوزه الثالث على التوالي في دوري الأبطال    شبوة.. حريق ضخم يتسبب بأضرار مادية باهضة في الممتلكات    السكوت عن مظلومية المحامي محمد لقمان عار على المهنة كلها    (نص + فيديو) كلمة قائد الثورة في استشهاد القائد الفريق "الغماري"    صنعاء تبدأ بترميم «قشلة كوكبان» التاريخية    على ضفاف السبعين.. رسالة من شاطئ العمر    الكشف عن عين إلكترونية تمكن فاقدي البصر من القراءة مجددا    شبابنا.. والتربية القرآنية..!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القبيلة والدولة والسياسة في اليمن: قراءة تحليلية لجدلية العلاقة في مؤلفات الدكتور الظاهري
نشر في الصحوة نت يوم 25 - 10 - 2025

تُعد دراسات الدكتور محمد محسن الظاهري حول القبيلة والسياسة في اليمن من أبرز المراجع التي تجمع بين التحليل التاريخي والاجتماعي والسياسي. ففي كتابه "الدور السياسي للقبيلة في الجمهورية العربية اليمنية خلال الفترة 1962–1990"، يقدم الظاهري رؤية شاملة للدور السياسي للقبائل اليمنية، محددًا العوامل الداخلية والخارجية التي ساهمت في صوغ هذا الدور، وكيفية تفاعل القبيلة مع الدولة عبر عقود من التاريخ الحديث. أما في كتابه "المجتمع والدولة في اليمن"، فيحلّل العلاقة الجدلية بين القبيلة والتعددية السياسية والحزبية، مستعرضًا مدى قدرة القبيلة على التكيف مع المتغيرات السياسية الحديثة ودورها في دعم أو إعاقة التعددية السياسية.
يجمع العرض بين هذين الكتابين لتقديم قراءة متكاملة حول طبيعة القبيلة اليمنية ككيان سياسي واجتماعي حي، وكيفية تأثيرها على الدولة الحديثة، مع التركيز على العوامل التي تحدد قوتها السياسية، ودورها في التوازن بين السلطة المركزية والمجتمع المحلي. كما يسلّط الضوء على العلاقة الجدلية بين القبيلة والحزبية، مسلطًا الضوء على التحديات والفرص التي تواجه بناء الدولة الحديثة في اليمن.
الدور السياسي للقبيلة في اليمن
يُعد كتاب الظاهري "الدور السياسي للقبيلة في الجمهورية العربية اليمنية خلال الفترة 1962–1990" واحداً من أبرز الدراسات التي قدمت رؤية علمية متكاملة حول الدور السياسي للقبيلة في اليمن.
في هذا السياق، سعى المؤلف إلى تحليل العلاقة بين القبيلة والنظام السياسي اليمني، مستكشفاً تأثير القبيلة على عملية صنع القرار، وتكوين النخبة السياسية، وتكاملها مع مؤسسات الدولة. كما تناول دراسة العوامل الداخلية والخارجية التي شكلت هذا الدور على مدى عقود. ومن خلال هذا المنظور، يعكس الكتاب اهتمام الظاهري بالبعد التاريخي والاجتماعي والسياسي للقبيلة، معتمداً على الملاحظة الميدانية والتحليل النظري للتفاعلات السياسية اليمنية.
يركز هذا العرض على الفصل الثالث من الكتاب بعنوان "محددات الدور السياسي للقبيلة اليمنية"، مع التطرق إلى جانب من الفصل الخامس حول "جدلية العلاقة بين القبيلة والدولة"، بالإضافة إلى بعض التوصيات التي قدمها المؤلف في ختام الدراسة.
ويؤكد الظاهري أن الدور السياسي للقبيلة اليمنية يتأثر بعدة متغيرات يمكن تصنيفها ضمن ثلاث مجموعات رئيسية: أولها المحددات المجتمعية، والتي تشمل الجغرافيا والسياسة؛ وثانيها المحددات المرتبطة بالبنية القبلية، التي تشمل الثقافة والقيادة والعدد والقدرات الحربية؛ وأخيراً المحددات الخارجية المرتبطة بالعوامل الإقليمية والدولية.
المحددات المجتمعية
يشير الظاهري إلى أن الطبيعة الجغرافية لليمن لعبت دوراً محورياً في استمرار الدور السياسي للقبائل ونموه. فالتضاريس الوعرة، والجبال العالية، والحصون الطبيعية شكلت عائقاً أمام السيطرة المركزية، ما أتاح للقبائل ممارسة نفوذها السياسي بشكل مستقل في بعض الأحيان. وإلى جانب ذلك، ساهمت عزلة بعض المناطق وصعوبة الاتصال بين القبائل والمدن في تعزيز القدرة على الاحتفاظ بالحدود القبلية والدفاع عنها.
ويرى المؤلف أن هذه الخصوصية الجغرافية ساهمت في ظاهرة التمردات والانتفاضات القبلية، وفي الوقت نفسه دفعت الدولة المركزية إلى استرضاء بعض القبائل ذات المواقع الاستراتيجية، خصوصاً خلال الأزمات أو الاعتداءات الخارجية، عبر إشراكها في صنع القرار السياسي وتلبية مطالبها.
أما المحدد السياسي، فيتعلق بطبيعة الإطار السياسي اليمني ذاته، الذي اتسم بشخصانية السلطة، إذ كانت الدولة تتمثل في شخص الحاكم وأتباعه القليلين، مع حظر أو تهميش المؤسسات الحديثة التي يمكن أن تجمع المصالح وتعبر عن تطلعات المجتمع.
وقد أدى هذا الواقع إلى هامشية المشاركة السياسية وغياب فاعليتها، بينما نجحت السلطات الحاكمة في استخدام القمع والردع، خاصة في المناطق التي ضعفت فيها قيم التماسك القبلي. ومن هذا المنطلق، يخلص الظاهري إلى أن هذا السياق السياسي منح القبائل مساحة أوسع لممارسة نفوذها والتأثير على صنع القرار.
المحددات المرتبطة بالبنية القبلية
ينتقل الظاهري بعد ذلك إلى المحددات المرتبطة بالبنية القبلية، بدءاً بالمحدد الثقافي. ويعرف المؤلف الثقافة بأنها مجموعة القيم والمعتقدات والعادات والتقاليد التي تحدد سلوك القبيلة اليمنية ودورها السياسي.
ويشير الكتاب إلى أن الثقافة القبلية كانت حجر الزاوية في تعزيز التماسك الداخلي للقبيلة، عبر العصبية القبلية والوعي بالعلاقة بين الفرد والقبيلة والشعور بالولاء للزعيم. ويضيف الظاهري أن قيم الاستقلالية ورفض القهر والتمسك بالعادات والتقاليد أسهمت في إبراز القبيلة ككيان سياسي مستقل قادر على مواجهة الضغوط الخارجية وفرض مطالبها.
كما يوضح المؤلف أن الثقافة القبلية لعبت دوراً محورياً في غرس قيم التعاون والتضامن، وبناء الولاء السياسي للزعيم، مما أتاح للقبيلة ممارسة دور سياسي فاعل ومستمر.
كما نجحت الثقافة السياسية القبلية في تأطير حياة الأفراد وحماية مصالحهم، وتوفير الحماية من الظلم والخطر الخارجي، وهو ما ساهم في استمرار تأثير القبيلة في المجتمع اليمني على المدى الطويل.
من جانب آخر، يستعرض المؤلف المحدد القيادي، الذي يتعلق بقدرة زعيم القبيلة على تحقيق مصالحها والتعبير عن أهدافها داخلياً وخارجياً. يشير الظاهري إلى التركيب الاجتماعي للقبيلة اليمنية، ومراتبها المختلفة، من مشايخ القبائل والسادة والقضاة، إلى فئات الأعيان وأمناء القرى والحرفيين والمزارعين، وصولاً إلى الأخدام وأبناء الأقليات مثل اليهود.
ويؤكد أن الزعيم القبلي هو رأس النظام القبلي الفعلي، وأن قوة وتأثير القبيلة السياسي يعتمد على كفاءته وحكمته وقدرته على الحفاظ على وحدة المجتمع القبلي وتماسكه.
أما المحدد القيادي، فيرى الظاهري أنه مرتبط بقدرة زعيم القبيلة على تحقيق مصالحها والتعبير عن أهدافها داخلياً وخارجياً.
ويستعرض الكتاب التركيب الاجتماعي للقبيلة اليمنية، مشيراً إلى مراتبها المختلفة، من مشايخ القبائل والسادة والقضاة إلى فئات الأعيان وأمناء القرى والحرفيين والمزارعين، وصولاً إلى الأخدام وأبناء الأقليات مثل اليهود.
ويؤكد المؤلف أن الزعيم القبلي هو رأس النظام القبلي الفعلي، وأن قوة وتأثير القبيلة السياسي يعتمد على كفاءته وحكمته وقدرته على الحفاظ على وحدة المجتمع القبلي وتماسكه.
ويبين الظاهري أن الزعامة القبلية في اليمن يمكن أن تكون وراثية أو انتخابية، إلا أن الممارسة العملية تحولت تدريجياً إلى نظام مختلط يميل نحو الوراثة داخل الأسرة الكبيرة للزعيم، مع التأكيد على أهمية الكفاءة والقدرة على إدارة شؤون القبيلة.
ويستعرض المؤلف طبيعة العلاقة بين الزعيم وأفراد القبيلة، مشيراً إلى اختلافها بين المناطق، ففي الشمال والشرق تسود علاقات التعاون والاحترام المتبادل، بينما في بعض مناطق الجنوب والوسط والغرب قد تكون العلاقات قائمة على الإخضاع والاستغلال، نتيجة تدخل الدولة، واستقرار السكان، وخصوبة الأراضي، واختلاط الأنساب.
ثم ينتقل المؤلف إلى المحدد العددي والحربي، مشيراً إلى أن القدرة السياسية للقبيلة تتعلق بعدد أفرادها المسلحين وقدرتهم القتالية، حيث تعد القدرة الحربية مصدراً رئيسياً لقوتها السياسية.
ويشير الظاهري إلى أن تمجيد القيم الحربية والتدريب على القتال لم يكن مجرد تقليد ثقافي، بل وسيلة للحفاظ على مصالح القبيلة ومواجهة الظلم أو الاعتداءات الخارجية، وهو ما جعل القبائل شريكاً فعالاً في التوازن السياسي ضد أي محاولات احتكار الدولة للقوة العسكرية. كما ساهم تسليح القبائل وسعيها للحفاظ على قدراتها الحربية في الحد من سلطة الدولة المطلقة، وفي خلق توازن بين القوة المركزية والسلطة المحلية.
نتائج الدراسة
يؤكد الظاهري أن المؤسسة القبلية في اليمن استمرت في ممارسة دورها السياسي بفاعلية وثبات، وأن قيمها التقليدية لم تتآكل رغم مظاهر التحضر والتعليم ووسائل الاتصال الحديثة.
ويشير إلى أن الدور السياسي للقبيلة كان مستمراً منذ الدولة القديمة وحتى الجمهورية، حيث لعبت دوراً محورياً في تكوين الدول التاريخية مثل معين وسبأ وحمير، قبل أن تتحول زعاماتها أحياناً إلى ملوك. كما يؤكد المؤلف أن استمرار الدور السياسي للقبيلة يعود إلى تفاعل محددات مجتمعية وبنيوية وثقافية وحربية، إضافة إلى التأثيرات الخارجية في شؤون اليمن.
ويخلص الظاهري إلى أن زعماء القبائل لم يتمكنوا من السيطرة المطلقة على السلطة السياسية، ويعزو ذلك إلى ما يسميه ب "التوازن العصبي"، أي الرقابة المتبادلة بين شيوخ القبائل، ما يجعل من الصعب لأي زعيم قبلي الانفراد بالسلطة دون توافق الآخرين.
وفي كثير من الحالات، يسمح هذا التوازن لطرف ثالث غير قبلي بالوصول إلى السلطة وفق شروط تحمي مصالح القبائل، وهو ما يعكس حكمة القبائل في إدارة السياسة اليمنية والحفاظ على مصالحها في مواجهة أي تجاوزات من قبل الحاكم أو الدولة.
كما يؤكد الظاهري أن استمرار دور القبيلة يعتمد على قدرتها على التعبير عن مصالح أعضائها، والحفاظ على تماسكها الداخلي، والوساطة بين الدولة والمجتمع. ويشير الباحث إلى أن القبيلة ليست مجرد إرث اجتماعي تقليدي، بل كيان سياسي حي وفاعل، قادر على التأثير في صنع القرار السياسي وضبط التوازنات بين السلطة المركزية والمجتمع المحلي، مع دور محوري للزعيم القبلي كحلقة وصل بين أفراد القبيلة والدولة.
التوصيات العامة
في الختام، يقدم الظاهري توصياته المستخلصة من الدراسة، مؤكداً على أهمية الاعتراف بالدور السياسي للقبيلة في صياغة المشهد اليمني، وعدم تجاهل تأثيرها في صنع القرار، وتطوير آليات توازن بين الدولة والمؤسسات القبلية، لضمان مشاركة فعالة للأقليات والسلطات المحلية ضمن إطار الدولة الحديثة، بما يحافظ على الاستقرار السياسي والاجتماعي في اليمن.
كما يبرز الكتاب أن فهم محددات الدور السياسي للقبيلة، سواء كانت جغرافية، ثقافية، قيادية، عددية أو حربية، يشكل مفتاحاً لفهم طبيعة العلاقة بين القبيلة والدولة، وهو ما يجعل هذه الدراسة مرجعاً أساسياً للباحثين والمهتمين بالشأن اليمني والسياسة القبلية في المنطقة.
المجتمع والدولة في اليمن
يقدم الدكتور الظاهري في كتابه "المجتمع والدولة في اليمن" دراسة شاملة للعلاقة الجدلية بين القبيلة والتعددية السياسية والحزبية في اليمن خلال فترة معقدة من تاريخ البلاد.
يستند الظاهري في هذا العمل إلى تحليل متعمق للتفاعل بين هذه المؤسسات الاجتماعية والسياسية، مركّزًا على مدى قدرة القبيلة اليمنية على التكيف مع المتغيرات السياسية الحديثة، ومناقشًا التساؤل المحوري حول ما إذا كانت القبيلة معيقة للتطور السياسي الديمقراطي أم عاملًا مكملًا وداعمًا لممارسة التعددية السياسية. وتنطلق الدراسة من فرضية أساسية مفادها أن القبيلة اليمنية ليست مجرد كيان اجتماعي تقليدي، بل هي قوة سياسية فاعلة ومتفاعلة مع البيئة السياسية الحديثة، تجمع بين خصائص الحزب السياسي وجماعات الضغط أو المصلحة، وتمتلك القدرة على التأثير في صنع القرار السياسي، فضلاً عن قدرتها على التكيف مع التعددية الحزبية، رغم أن هذا التأثير يختلف باختلاف قوة كل قبيلة وموقعها الجغرافي وتحالفاتها.
تهدف الدراسة إلى فهم طبيعة علاقة المجتمع بالدولة وأثرها على القبيلة والتعددية السياسية، وتحليل شبكة العلاقات بين القبائل والدولة ضمن الإطار المجتمعي اليمني، كما تسعى للتعرف على خصوصية القبيلة اليمنية من حيث المفهوم والممارسة، إلى جانب توضيح طبيعة التعددية السياسية والحزبية في اليمن وعلاقتها بالقبيلة، وإبراز الوظائف التي تقوم بها كل من القبيلة والظاهرة الحزبية، مع بيان أثر الهوية اليمنية والعوامل الخارجية على هذه العلاقة.
علاقة القبيلة بالدولة
في الفصل الثالث المعنون ب"علاقة القبيلة بالدولة"، يستعرض المؤلف طبيعة النظام السياسي القبلي في اليمن، مؤكدًا أن القبيلة اليمنية تشكل كيانًا سياسيًا متفاعلًا يجمع بين خصائص الحزب السياسي وجماعات الضغط، ويختلف تأثيرها باختلاف قوة القبائل ومواقعها. ويبين الظاهري أن القبيلة تمتلك آليات متعددة للتعبير عن مطالبها واحتياجاتها، مستندة إلى عوامل قوة وضعف متنوعة تشمل الثقافة والقيادة والموقع الجغرافي والقدرة العسكرية والتحالفات بين القبائل.
في المطلب الأول من الفصل، يعرف المؤلف القبيلة اليمنية بأنها جماعة بشرية متضامنة تشعر بالانتماء إلى أصل قرابي مشترك، تجمعها ثقافة وأعراف ومصالح مشتركة، وتسيطر على أرض محددة غالبًا، وتشكل تنظيمًا اجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا واحدًا.
ويحدد الظاهري المكونات الأساسية للقبيلة اليمنية، والتي تتضمن التضامن الداخلي بين الأفراد والشعور بالقرابة والانتماء، إلى جانب الثقافة المشتركة والقيم التقليدية والمصلحة العامة للأعضاء، إضافة إلى الأرض والموارد والتنظيم المتكامل على مختلف المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعسكرية.
ويشير المؤلف إلى أن القبيلة اليمنية تمثل مفهومًا سياسيًا قائمًا بذاته، فهي تمارس السياسة بشكل مباشر من خلال المشاركة في صنع القرار والتأثير فيه بما يعكس مصلحة القبيلة ويحقق مطالبها، ويعود ذلك إلى جذور تاريخية، إذ كانت القبيلة تتحول تاريخيًا أحيانًا إلى دول قوية أو ممالك بزعامة القبيلة الغالبة، مع إبراز دور شيوخ القبائل الذين مارسوا أدوارًا سياسية هامة، مثل الشيخ عبد الله الأحمر، الذي ترأس ثلاثة مجالس نيابية متعاقبة، ما يوضح الدور السياسي العميق للقبيلة في اليمن الحديث والمعاصر.
الطبيعة السياسية للقبيلة
توضح الدراسة أن الطبيعة السياسية للقبيلة اليمنية نابعة من عوامل تاريخية وسياسية متعددة، فالتاريخ يشير إلى أن القبيلة شكلت عنصرًا أساسيًا في تكوين الدولة اليمنية، مع غياب السلطة المركزية القوية، مما منحها مجالًا للحضور السياسي، بينما تعكس الأسباب السياسية ضعف شرعية كثير من السلطات الحاكمة واستمرار شخصانية السلطة، حيث يتم اختزال الدولة في شخص الحاكم وتطبيق سياسة فرق تسد بين القبائل لتعزيز السيطرة على المجتمع.
كما أن البنية القبلية اليمنية تجعل القبيلة تشبه الدولة في تنظيمها وقيادتها وتحالفاتها، مما يتيح لها ممارسة السياسة داخليًا وخارجيًا. إضافة إلى ذلك، تمتلك القبيلة اليمنية ثقافة حربية متجذرة وجيشًا وأسلحة خاصة بها، ما يجعلها قوة عسكرية فاعلة تشكل مخزونًا بشريًا لدعم الدولة أو مواجهة أي تهديد سياسي أو خارجي، ويظل تأثير القبيلة على السلطة والحاكم جدليًا، إذ تؤثر فيه وتتأثر به في إطار علاقة ديناميكية متبادلة.
عوامل قوة النظام السياسي القبلي
يقدّم الظاهري في المطلب الثالث من الفصل عوامل قوة النظام السياسي القبلي في اليمن، والتي تشمل العوامل الثقافية مثل استمرار الوعي العصبي والتماسك الاجتماعي بين أفراد القبيلة، والعوامل الجغرافية التي تمنح التضاريس الصعبة في اليمن القبائل هامشًا من الاستقلالية السياسية، والعوامل الاقتصادية التي تتجسد في القدرة على تجميع المصالح المشتركة للأعضاء واعتماد آليات مثل "الداعي القبلي" و"الأغرام" و"الغرامة" لضمان التماسك والاستجابة الجماعية للطوارئ.
بالإضافة إلى العوامل السياسية المتمثلة في سهولة الاتصال بين الزعيم القبلي وأعضاء القبيلة، وفاعلية الثقافة السياسية القبلية، والقدرة على التكيف مع التغيرات السياسية والتحالفات بين القبائل لمواجهة المخاطر الخارجية.
التعددية السياسية والحزبية وعلاقتها بالقبيلة
يتناول الفصل الرابع التعددية السياسية والحزبية في اليمن وعلاقتها بالقبيلة، موضحًا أن هذه التعددية ترتكز على قاعدة اجتماعية قبلية وتمتاز بمزيج من التقليدية والحداثة، كما تتداخل فيها ثقافة العنف مع قيم الثأر القبلي وأساليب الصراع الحزبي. ويشير الظاهري إلى أن الأحزاب غالبًا ما تسعى إلى استقطاب القبائل أو منح عضويتها لشيوخها، وهو ما يعرف ب"تحزيب القبيلة"، ما يؤدي إلى ظهور ظاهرة "قبيلة حزبية" أو "حزب مبندق"، تمثل مزيجًا مشوهًا من قيم القبيلة والحزب ويؤدي إلى استمرار الصراعات والنزاعات. كما يناقش المؤلف طبيعة التفاعلات بين القبيلة والمؤسسات الحزبية، مؤكدًا أنها قد تكون إيجابية أحيانًا لتوظيف كل طرف الآخر لتحقيق مصالحه، إلا أنها غالبًا ما تقتصر على مصالح محددة لشيوخ القبائل أو قيادات الحزب دون تعميم الفائدة على المجتمع، كما أن العلاقة بين القبيلة والمؤسسات الحزبية ليست ثابتة، إذ تتسم بالمرونة والتكيف حسب الظروف والتحالفات.
وتخلص الدراسة إلى توصيات مهمة، أبرزها تحقيق العدالة السياسية وضمان تكافؤ الفرص، كما يجب تعزيز دور الحاكم كمحكم يسعى لحل النزاعات بدلًا من إذكاء الصراعات، وإعادة القبيلة إلى وظائفها الاجتماعية الطبيعية لتصبح لبنة أساسية في بناء الدولة الحديثة، إضافة إلى تطبيق مبدأ تداول السلطة سلمياً، والعمل على تطوير مؤسسات الدولة لتحقيق التكامل بين القبيلة والدولة وتعزيز التعددية السياسية الحقيقية.
خلاصة القول، يقدم كتاب الظاهري رؤية متكاملة للعلاقة الجدلية بين القبيلة والتعددية السياسية والحزبية في اليمن، مؤكداً أن القبيلة اليمنية ليست مجرد إرث اجتماعي، بل هي كيان سياسي حي، متفاعل مع الدولة والحزب، يمتلك القدرة على التأثير والتكيف، ويشكل عنصرًا أساسيًا لفهم طبيعة السياسة اليمنية وتطوراتها عبر التاريخ، كما يوفر إطارًا تحليليًا متكاملاً لفهم التحولات السياسية والاجتماعية في اليمن، ويبرز التحديات والفرص التي تواجه بناء الدولة الحديثة، مع إبراز الدور المحوري للقبيلة في تحقيق التوازن السياسي والاجتماعي.
الخاتمة
يقدم الكتابان رؤية متكاملة للعلاقة الجدلية بين القبيلة والدولة والتعددية الحزبية في اليمن، مؤكّدين أن القبيلة اليمنية كيان سياسي حي وفاعل، قادر على التأثير في صنع القرار والتكيف مع التحولات السياسية. ويشكل فهم محددات الدور السياسي للقبيلة، سواء كانت جغرافية، ثقافية، قيادية، عددية أو حربية، مفتاحًا لفهم طبيعة العلاقة بين القبيلة والدولة، مما يجعل دراسات الظاهري مرجعًا أساسيًا للباحثين والمهتمين بالشأن اليمني والسياسة القبلية في المنطقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.