تشهد بعض مديريات عدن في الأيام الأخيرة قطعًا للطرقات وإحراقًا للإطارات وصلت إلى حرق أعمدة إشارات المرور المزودة بكاميرات مراقبة حديثة تم تركيبها من قبل إدارة شرطة السير في عدن. ورغم أنّ هذه الاحتجاجات تعبّر عن غضبٍ شعبي مشروع إزاء الأوضاع المعيشية وانقطاع الرواتب، إلا أنّ استغلال البعض لها والزج بالشباب في أعمال تخريب للممتلكات العامة أمر لا يخدم مصلحة أحد، فحرق الإشارات وقطع الطرقات لن يحل أزمة الكهرباء أو الرواتب، بل سيزيد من تعقيد المشهد وتدهور الأمن في المدينة. حتى الكهرباء التي تم تموينها بدفعة إسعافية بسيطة لم تكمل حصتها من الوقود، فيما يستمر الإهمال لهذا القطاع الحيوي والسيادي دون قرارٍ شجاع يضع حدًا لمعاناة الناس في عدن والجنوب. ولعلنا نتذكّر قضية "الخبطات" التي استهدفت خطوط الكهرباء بين المحافظات وارتبطت باسم "كلفوت"، حين كانت تُدار بأوامر سياسية في عهد نظام علي عبدالله صالح، واليوم تتكرر الصورة نفسها باستهداف الكيبلات والموصلات الكهربائية وقطع الشبكة المغذية للمدينة، كما أفادت بعض المواقع المحسوبة على الشمال. كل المؤشرات تؤكد أنّ أي محاولة لضرب استقرار عدن أو عرقلة تحوّلها الإيجابي هي استهداف مباشر لفكرة الجنوب واستعادة دولته. فحتى افتتاح سفارة الهند في عدن لم يمرّ دون انزعاج أطراف سياسية في صنعاء تخشى فقدان نفوذها ومصالحها. وفي المقابل، تتسابق منصات إعلامية يمنية على التحريض ضد الجنوب والمجلس الانتقالي، وتوظّف خطاب الكراهية والفتاوى الموجّهة في دعوات صريحة لسفك الدم الجنوبي. إنّها نفس العقلية التي لم تتغير، ونفس القوى التي تتخادم مع بعضها لإبقاء الجنوب في دائرة الأزمات. وعدن، التي كانت وستظل مدينة الوعي والمدنية، تحتاج اليوم إلى وعيٍ جمعي يرفض الفوضى ويصون الممتلكات العامة باعتبارها جزءًا من معركة بقاء وهوية. فحماية عدن مسؤولية الجميع، لأن استهدافها هو استهدافٌ لمستقبل الجنوب بأسره.
المحامي/جسار فاروق مكاوي . عدن - فجر الجمعة 24/10/2025