الحمدلله الذي قسم المعايش والعطايا والأرزاق بين عباده، فمنهم سعيد وشقي.. ومنهم غني وفقير وفيهم قريب من الله وبعيد والعاقبة عند ربك للمتقين.. وكل شيء خلقه الله عز وجل بقدر "وكفى بنا حاسبين. الأمة اليوم للأسف الشديد تعيش في حالة فراغ روحي وأخلاقي وهذه من جلائل الأمور ومشاغل الصدور تحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم.. ذلكم هو استخفاف الكثير من الناس بالكرامة الإنسانية والحرمة البشرية، حين يسخر إنسان من صاحب العاهة أو بمن نالته آفة فيبدو في صورة المعترض على ذلك أو الرافض على ما قدره الله لهذا الإنسان المعاق وذلك داء عقيم يصيب الساخر فيجعله مخطئاً لنقمة المولى عز وجل، مستحقاً للعنة وسوء القرار. وهذا يعتبر في حكم القرآن الكريم سوء أدب مع الخالق قبل أن يكون مع المخلوق، فلو أراد الله عز وجل لجعل الساخر المبصر مكان المسخور منه الأعمى، فكان حقاً على الإنسان أن يتذكر نعمة الخالق عليه وأن يسأل من فضله وعوضه ما يجزيه خير الجزاء، عما أصيب به من عاهةٍ في جانب من جوانب خلقته.. بدل أن يهزأ به ويسخر منه فيستوجب بذلك نفسه غضب الله ومقته.. وصدق عبدالله ابن مسعود رضي الله عنه القائل: "إنّ البلاء موكل بالمنطق ولو سخرت من كلب لخشيت أن أصير كلباً".. إنّ المكفوف قد فقد بصره في حادث أو جهاد أو كسب رزقه أو تحصيل علم، فذلك شرف له ومنزلة عليا تنتظره عند ربه.. ليسعد بذلك يوم لقاء ربه برؤية الله والاقتباس من نوره الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة. جاء في الحديث النبوي الشريف: "يا جبريل ما ثواب عبدي إذا أخذت كريمتيه (أي عينيه) إلا النظر إلى وجهي والجوار في داري".. ان فقد البصر اليوم من الإنسان وبقاءه في الحياة بين هؤلاء الأحياء من البشر بدون عينيه يعتبر منحة لا محنة، خاصة في ظل الأوضاع المأساوية التي تعيشها الأمة اليوم، فقد أصبحنا في زمنٍ عصيب مليء بالفتن والمغريات والمفاسد، فكيف لو تأخر الزمن بنا ونحن نتمنى أن لا نرى تلك المفاسد والمحارم التي اقتحمت بيوتنا ومدارسنا وجامعاتنا عنوة.. صفوة القول: من هنا كان لزاماً علينا على ذي الخُلق الشريف والأخلاق السامية أن يُحسن التصرف والخطاب مع ذي العاهة وأن يتجنب معه ما يثير في نفسه ألم الحسرة على فقدان ما فقد من نعمة يتمتع بها سواه، لذا علينا أن نقتدي بالتربية القرآنية وآداب الإسلام لأن السخرية ليست من شيم الرجل الأصيل والتذكير بالعورات والعاهات ليس من طبع المسلم النبيل.. والإنسان يفقد إنسانيته وكرامته عندما يسمح لنفسه الأمارة بالسوء أن تستطيل بالاستهزاء أو السخرية على رجل امتحنه الله وابتلاه لحكمة يعلمها هو، وما كانت مقامات الرجال لتقاس يوماً بضخامة الأجسام أو الأشكال ولكنها تُقاس بالأخلاق العالية والأعمال الخيرة، فلنطّهر ألستنا من خنا القول وفُحش الكلام وبذاءة الألفاظ وصدق المصدوق القائل: "كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه".. فنحاسب أنفسنا قبل أن نُحاسب..!! نافذة شعرية: أصعد يا حبة قلبي أصعد.. أصعد كي تنفض عن عينيك غبار الألم.. تماسك إن كنت ضعيفاً.. سترى ما لا عين رأت.. ما لا أذن سمعت.. سترى ناساً يقتتلون على ماء.. وأناساً يقتتلون على خبز ورفاء.. سترى خيلاً ليس لها أعناق.. وسيوفاً ليس لها أنصال.. المقهورون تراهم على أبواب الفاقة.. حيارى.. سُكارى.. وما هم بُسكارى.. دمكم لن يُذهب هدراً.. غداً يا قدسُ.. النصر لنا.. العز لنا.. كتبا لنا..!!