صنعاء تحتضن ختام بطولة الجمهورية للمصارعة تحت 17 عاما    إتلاف 180 طناً من المواد الغذائية منتهية الصلاحية في أمانة العاصمة    اعلامي جنوبي يدعو لطرد رشاد العليمي وشرعيته من عدن والجنوب العربي    تعز… أخ يعتدي على شقيقته المحامية بعد ترافعها في قضية مرتبطة به    الأمين العام للأمم المتحدة: "ما حدث في محافظتي حضرموت والمهرة تصعيد خطير"    غوتيريش: مركز الملك سلمان للإغاثة يُعد نموذجًا بارزًا على السخاء وجودة الخدمات الإنسانية    المغرب يهزم سوريا ويبلغ نصف نهائي كأس العرب 2025    الدولار يتراجع إلى أدنى مستوى له    توزيع مساعدات عاجلة للأسر المتضررة من الأمطار في المحويت    الرئيس الزُبيدي يتفقد سير العمل بديوان عام وزارة الزراعة والري والثروة السمكية وقطاعاتها    العليمي يهدد بتجويع الجنوب .. ويبحث عن شرعيته في غرف الفنادق ..    المحرّمي يطّلع على أداء وزارة الأوقاف ويشدد على نشر ثقافة التسامح والوسطية    بوتين يعلن تحرير سيفيرسك ويؤكد امتلاك الجيش الروسي زمام المبادرة    إغلاق مفاجئ لمطار سيئون بوادي حضرموت    غوغل تعلن ضوابط أمان جديدة لحماية مستخدمي كروم    ثلاث عادات يومية تعزز صحة الرئتين.. طبيب يوضح    سوء الخاتمة: الاشتراكي يختتم تاريخه الأسود بفضيحة.    شهد تخرج 1139 طالبا وطالبة.. العرادة: التعليم الركيزة الأساسية لبناء الدولة واستعادة الوطن    جلادون على طاولة التفاوض    ضحايا جراء سقوط سيارة في بئر بمحافظة حجة    منظمة اممية تنقل مقرها الرئيسي من صنعاء إلى عدن    نيويورك.. رابطة "معونة" تحتفل باليوم العالمي لحقوق الإنسان وتطلق ثلاثة تقارير رئيسية    الترب: أخطر مشروع يستهدف اليمن اليوم هو الانفصال    النفط يواصل الارتفاع بعد التوتر المتصاعد بين واشنطن وكاراكاس    الصحفية والأديبة الشاعرة سمية الفقيه    نتائج الجولة السادسة من دوري الأبطال    أمريكا تستولي على ناقلة نفطية في البحر الكاريبي    جرائم العدوان خلال3,900 يوم    الأجندة الخفية للإعلام السعودي والإماراتي في اليمن    الجنوب راح علينا شانموت جوع    بيان مجلس حزب الإصلاح وسلطان البركاني    الكاتب الصحفي والناشط الحقوقي نجيب الغرباني ..    إسرائيل تحذر واشنطن: لن نسمح بوجود تركي في غزة    اليونسكو تدرج "الدان الحضرمي" على قائمة التراث العالمي غير المادي    عود يا أغلى الحبايب... يا أغنيةً عمرها ثلاثون سنة ولا تزال تشعل قلبي كلما هبّ اسمها في الهواء    لا مفر إلى السعودية.. صلاح يواجه خيبة أمل جديدة    فعالية حاشدة للهيئة النسائية في صعدة بذكرى ميلاد فاطمة الزهراء    وزارة الزراعة والثروة السمكية تعلن فتح موسم اصطياد الجمبري    المنتخب الوطني تحت 23 عاما يغادر بطولة كأس الخليج بعد تعادله مع عمان    المحرّمي يطّلع على جهود وزارة النفط لتعزيز إمدادات وقود الكهرباء والغاز المنزلي    ندوة بصنعاء تناقش تكريم المرأة في الإسلام وتنتقد النموذج الغربي    بيان مرتقب لقائد الثورة في اليوم العالمي للمرأة المسلمة    "اليونسكو" تدرج الدان الحضرمي على قائمة التراث العالمي غير المادي    النفط يحافظ على مستوياته مع تزايد المخاوف من تخمة المعروض    نبحوا من كل عواصم العالم، ومع ذلك خرجوا من الجنوب.    مباراة حاسمة.. اليمن يواجه عمان مساء الغد على بطاقة التأهل لنصف نهائي كأس الخليج    اجتماع موسع بصنعاء لتعزيز التنسيق في حماية المدن التاريخية    60 مليون طن ركام في غزة بينها 4 ملايين طن نفايات خطرة جراء حرب الإبادة    اكتشاف أكبر موقع لآثار أقدام الديناصورات في العالم    إتلاف 8 أطنان أدوية مخالفة ومنتهية الصلاحية في رداع    حضرموت.. المدرسة الوسطية التي شكلت قادة وأدباء وملوكًا وعلماءً عالميين    شبوة.. تتويج الفائزين في منافسات مهرجان محمد بن زايد للهجن 2025    المثقفون ولعنة التاريخ..!!    ضرب الخرافة بتوصيف علمي دقيق    ميسي يقود إنتر ميامي للتتويج بلقب كأس الدوري الأمريكي    إب.. تحذيرات من انتشار الأوبئة جراء طفح مياه الصرف الصحي وسط الأحياء السكنية    رسائل إلى المجتمع    في وداع مهندس التدبّر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إتريك عدن.. حرب الضوء على أبواب المدينة
نشر في شبوه برس يوم 25 - 10 - 2025

جاءني الخبر أولاً من جارٍ في الحي، بلهجةٍ تجمع بين الغضب والافتخار: «قطعوا الكهرباء من لغاليغها؟!»

ابتسمت في داخلي، كمن تذكّر «إتريكًا» قديمًا يلمع في ديوان شيخ القرية. لم يكن السؤال عابرًا، بل إعلانَ حربٍ صغيرة تُعاد كل يوم على جبهةٍ واحدة: جبهة الضوء.

في بلدٍ كان الناس فيه يتبارون على «الإتريك» الذي يجعل من ليل القرية نهارًا، نعيش اليوم نظامًا أعقد: مزوّدون، مفوترون، مهادنون، لصوص أعمدة، ومخابرات أنصاف الليالي.

كل جهة لها حجتها، وكل حجة تنتهي في بيت المواطن، بلا نور.

قرأت البارحة قصة طريفة أرسلها لي صديقي د. أحمد عبد اللاه، عن رجلٍ عاد من تعز ومعه إتريك، فأضاء الديوان فاندفع الناس نحوه كأنهم أمام أديسون قدّس الله سره بشحمه ولحمه.

أما في عدن اليوم، فلا حاجة لأديسون؛ يكفي أن تُشغّل منظومة بالشيء الفلاني أو تضع لوح شمس فوق السطح، ليغدو الحيّ محط أنظار الغلابى، والناس يخرجون يسألونك: «من وين لك الكهرباء يا جني؟!» سؤالٌ اختزل التاريخ كله في عبارةٍ قصيرة.

الضوء في عدن لم يعد رفاهية، بل صار معيارًا للكرامة، تقول العروس لزوجها: «متزوجين ولا لاقين إتريك؟»، فتتحوّل ليلة الدخلة إلى مفاوضةٍ شاقة مع كهربائي الحي؛ ولأن الناس تطوّرت، فقد تطوّر النصب أيضًا.

عشرات التصاريح والتعهدات والمشاريع "الأسطورية" التي تنتهي دائمًا بعبارة: «شكرًا إمارات الخير».

لكن لا أحد يكتب الحقيقة المرة: «المازوت وحده هو التصريح الذي يضمن لك ضوءً بين المغرب والفجر، إلا في حال السرقة أو الفساد أو العتمة العامة».

وربما آن أن نرددها بصدق:«شكرًا مازوت الخير، إن فرجت يومًا... وقد لا تفرج».

الحرب على الضوء ليست مجرّد انقطاعٍ فني؛ إنها منظومة اجتماعية وسخة.

في الصباح ترى وجهاً عبوساً لأن بطارية المروحة "زلجت"، وفي المساء تراه يقرأ المعوذات على ضوء الهاتف المحمول.

هكذا تحوّل النور إلى اختراع شعبي، تُقاس فيه المصابيح بمدى حيلة الإنسان في قهر الظلام.

الشيخ القديم في قصة د. عبد اللاه خاف من الجماعة التي جمعها الإتريك، واليوم هناك من يخاف من شعبٍ قد يجتمع على ضوءٍ شمعة، فيقلب عاليها واطيها.

أما نحن فنتعلم التكيّف كما نتعلّم الظل: نختار أوقات الأكل على توقيت الكهرباء، ونخطّط للسهر حسب موعد "نبضة" التيار القادمة من محطة الرئيس.

أضحك حين أتخيل "الإمامين الجدد": شركةٌ تضبط العدّاد، ومخبرٌ يراقب استهلاك الكهرباء كما لو كانت جناح جندٍ معادٍ.

وفي مقاهي عدن، حيث تُصنع الأخبار وتُعاد تعبئتها، تُروى حكايات "صفقات الطاقة البديلة" كما تُروى حكاية الإتريك القديم، ببطولةٍ جديدة:«جبت لوح شمس من تاجر في شارع التسعين يعرفه صالح العبيدي، ومن يومها وأنا تيس الحافة، وسارق الضوء من عين أم الشمس».

لكن السخرية الحقيقية أن الحرب على الضوء توحّد الناس في شيءٍ واحد: الإبداع في التكيّف، كما تفعل الأغنام في الزريبة.

ولا حل إلا أن نوزّع الإتاريك على البيوت، ونوفّر على العائلة جهد الصراخ وسقف الشتائم.

في النهاية، الإتريك ليس مجرّد أداة إضاءة؛ إنه مرآة.

مرآة تكشف كيف تحوّلنا من بشرٍ يبحثون عن الضوء إلى مخلوقاتٍ تضع النور في ميزان الحسابات السياسية والاقتصادية.

نحارب الظلام بالنكات، ونقاوم الفواتير بابتسامة، ونحوّل العتمة إلى سهرة صباحي قابلة للعيش.

البارحة، وأنا أسير في شوارع كريتر المظلمة، شعرت بأن الإتريك القديم ما زال يتردد في أزقة المدينة.

حلمٌ بسيط بأن يكون الضوء مشتركًا، حلمٌ يجعل الناس يخرجون في زفّةٍ واحدة، لا زفّة عرسان، بل زفّة ضوءٍ ينير البيوت بلا شروط، زفّة تحتفل بالإنسان، لا بالتيار الذي خرج ولم يعد.

حتى ذلك الحين، سنواصل حربنا الصغيرة على الضوء، بسخريةٍ لاذعة، ونمزّق الليل بابتسامةٍ كهربية مكتوبة بالصميل على الجدران: «نريد إتريكًا لكل بيت يا عيال المحترمة» وبس...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.