في اليوم الأربعين لذكرى استشهاد الصحفيين في صحيفتي 26 سبتمبر واليمن الذين نالوا وسام الخلود وهم يؤدون واجبهم المهني والوطني في ميادين الحقيقة، نقف أمام محطة تستدعي التأمل في معنى الشهادة وفي الرسالة التي حملها أولئك الذين واجهوا عدواناً ظالماً بعدساتهم وأقلامهم وتحركهم الميداني ليكونوا شهوداً على عصر امتلأ بالدم والعزة معا. أربعون يوماً مضت وما زالت صورهم تحكي عن زمن كانت فيه الكلمة هدفا والحقيقة تهمة والموقف الصادق طريقًا إلى الشهادة. جسد هؤلاء الصحفيون أسمى معاني العطاء ليعرف العالم أن العدوان لم يواجه جيشا فحسب بل واجه شعباً بأكمله يكتب بدمه تاريخ الصمود. منذ بداية العدوان على اليمن وحتى لحظة الطوفان في غزة تتوحد الدماء والمواقف في مسار واحد يؤكد أن الأمة واحدة وأن الشهداء من كل الجبهات يجتمعون تحت راية واحدة هي راية «في سبيل الله». فما بين صنعاءوغزة خيط من نور لا ينقطع يربط أرواح الشهداء الذين مضوا دفاعا عن كرامة الأمة وحقها في الحياة. الشهادة ليست نهاية المطاف بل استمرارا للحياة في صورتها الأسمى حياة في وجدان الأمة وضميرها حياة أبدية في جنان الخلد. لقد واجه الشهداء الحصار والعدوان والإعلام المضلل وانتصروا في معركتهم الكبرى لأنهم آمنوا بأن الدم الصادق لا يُهزم وأن الكلمة الحرة أقوى من كل آلة قتل وعدوان. واليوم ونحن نودع الشهيد اللواء الركن الغماري نستشعر أن درب الشهداء ما زال ممتداً وأن اليمن لا يزال يقدم من خيرة قادته ورجاله من أجل كرامة الوطن وصون قراره الحر. مضى الغماري كما مضى من قبله الآلاف من الأبطال ثابتين على المبدأ واثقين بوعد الله ومخلفين ورائهم إرثاً للأجيال من الإيمان والشجاعة والعزة. نستذكر جميع شهدائنا من شهداء الكلمة إلى شهداء الميدان ونجدد العهد بأن نبقى أوفياء لدمائهم الزكية متمسكين بخيار الصمود حتى يتحقق وعد الله بالنصر: قال تعالى : «ولَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إنَّ اللهَ لقويٌّ عزيز».