تشهد موانئ الحديدة فوضى غير مسبوقة في عمليات تفريغ السفن، وسط سياسات ابتزاز ممنهجة تمارسها مليشيا الحوثي ضد التجار، حيث تُعرقل شحنات لأشهر طويلة، بينما تُسهّل أخرى تابعة لشركات موالية للجماعة، ما يفاقم أزمة السوق ويضاعف معاناة المواطنين. تؤكد مصادر خاصة ل"الصحوة نت" أن الميناء لا يفرغ حاليًا سوى نسبة محدودة جدًا من الحمولات التجارية، نتيجة تضرر الأرصفة بفعل الضربات الإسرائيلية الأخيرة. ويضطر عدد من السفن إلى الانتظار في عرض البحر لأسابيع وأشهر، تتضاعف خلالها الغرامات المفروضة على التجار بشكل يومي. وتشير المصادر إلى أن عشرات الحاويات ما تزال محتجزة منذ أكثر من شهرين، في ظل فرض غرامات مرتفعة تصل إلى نحو 300 دولار يوميًا لكل حاوية، ما يرفع من تكلفة السلع الغذائية على المواطنين الذين يتحملون عبء الفوضى الحوثية في نهاية المطاف. صراع داخلي يهدد الأمن الغذائي تتزامن أزمة الميناء مع تصاعد الخلافات داخل الجماعة الحوثية حول تجارة القمح، بعد أن كشفت أزمة مطاحن البحر الأحمر هشاشة المنظومة الاقتصادية التي تديرها المليشيا. فقد أعلنت شركة "المحسن إخوان" – المملوكة للقيادي الحوثي علي الهادي – نفاد مخزون القمح وتوقف العمل في مطاحن البحر الأحمر، قبل أن تسارع وزارة الاقتصاد الحوثية إلى نفي ذلك، في مشهد يعكس عمق الانقسام داخل أجنحة الجماعة وتضارب مصالحها التجارية. ويقول مراقبون إن هذه الأزمة ليست سوى انعكاس لصراع حوثي داخلي حول واحدة من أهم السلع الغذائية في البلاد، بعدما تحولت تجارة القمح إلى مصدر تمويل رئيسي للجماعة وأداة لتصفية الحسابات بين قياداتها الاقتصادية. احتكار واستغلال منظم تشير المعلومات إلى أن شركة "المحسن إخوان" تعد من أبرز الواجهات التجارية التابعة للحوثيين، إذ حصلت خلال السنوات الأخيرة على معظم عقود توريد القمح لمنظمات الإغاثة الدولية بتوجيهات من قيادات عليا في الجماعة، ما جعلها تتحكم فعليًا في سوق القمح والدقيق بالمناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين. ويقول خبراء إن الخلاف الأخير بين الشركة ووزارة الاقتصاد الحوثية يعكس محاولة كل طرف تعزيز نفوذه المالي، خصوصًا مع تراجع المساعدات الدولية وتفاقم الأزمة الإنسانية، الأمر الذي يهدد الأمن الغذائي لملايين اليمنيين. ابتزاز للتجار في الموانئ مصادر تجارية تحدثت ل"الصحوة نت" كشفت أن ما يجري في موانئ الحديدة هو ابتزاز منظم، إذ تعمد المليشيا إلى عرقلة إفراغ سفن بعض التجار وتأخيرها لأشهر، مقابل تسهيل مرور بواخر تابعة لشركات موالية لها. وأكدت أن الميناء لم يعد قادرًا على تفريغ أكثر من 30% من احتياجات السوق في مناطق سيطرة الحوثيين، ما أدى إلى تكدّس السفن في البحر وارتفاع تكاليف الشحن بشكل كبير. وأضافت أن عشرات الحاويات ما تزال محتجزة قرب الميناء، وأن الإفراج عنها يتم مقابل مبالغ مالية ضخمة تُدفع عبر وسطاء تابعين للمليشيا، في إطار منظومة فساد متكاملة. غرامات وأسعار مرهقة توضح المصادر أن شركات الشحن العالمية تفرض غرامات باهظة تبدأ بعد أسبوعين من فترة السماح، وتصل إلى مئات الدولارات يوميًا لكل حاوية. وتُضاف هذه الغرامات إلى تكلفة السلع الأساسية، ما يؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار القمح والدقيق وغيرها من المواد الغذائية. ويقول أحد التجار إن "البضائع مكدسة في الميناء ولا يُسمح بتفريغها إلا بدفع رسوم غير قانونية"، مضيفًا أن "المليشيا تفرض رسومًا جديدة تحت مسميات مختلفة، في وقتٍ تتجاهل فيه شكاوى التجار ومناشداتهم بتسهيل الإجراءات". ويعتبر اقتصاديون أن هذه الممارسات تمثل شكلًا جديدًا من الجباية غير المعلنة، إذ تحوّلت عمليات التأخير والغرامات إلى وسيلة تمويل للقيادات الحوثية النافذة. فشل إداري وشعارات مضللة تحاول المليشيا تبرير أزماتها بالحديث عن "توطين الصناعات المحلية" و"تحقيق الاكتفاء الذاتي"، غير أن مراقبين يرون أن هذه الشعارات لا تعدو كونها غطاءً لفشل إداري واقتصادي عميق، ومحاولة لاحتكار السوق لصالح شركات أُنشئت مؤخرًا بإشراف قيادات حوثية. وفي ظل استمرار هذا الوضع، تتسع معاناة اليمنيين الذين يواجهون أزمة غذاء حادة، بينما تستمر الجماعة في إدارة الاقتصاد بمنطق الغنيمة والسيطرة، بعيدًا عن أي التزام بالمعايير الإنسانية أو القوانين التجارية.