محمد شمسان أكاديمية وصحفية ومذيعة وكاتبة وأديبة ومناضلة وطنية من العيار الثقيل، أول من رفع راية المطالبة بحقوق المرأة اليمنية، وأول من أسس قسم الإعلام بجامعة صنعاء كلية الآداب، عام 1991م، بعد صراع طويل وجهود كبيرة بذلتها مع الجهات المعنية لتحقيق ذلك، كما أنها أول من أسس الجمعيات والمؤسسات والمنظمات الخاصة بنشاط المرأة والمدافعة عن حقوقها، وهي أول من فتح الباب للمطالبة بضرورة تمكين المرأة اليمنية من المشاركة في مختلف جوانب الحياة: السياسة والثقافية والاجتماعية والحقوقية والمدنية والاقتصادية، وغيرها من المجالات التي تسهم في صناعة الحياة العامة داخل المجتمع اليمني. الدكتورة والصحفية الكبيرة رؤوفة حسن هي أحد أعلام اليمن في العصر الحديث، ولا يمكن تحديد نشاطها وجهودها في مجال الإعلام أو مجال المرأة أو مجال التعليم العالي، فقد تركت -رحمها الله- بصماتها في كافة مجالات الحياة اليمنية، وكانت ولاتزال أحد أهم وأبرز عناوين الحداثة والتطور المدني في اليمن والمنطقة العربية عمومًا. نشأت الفقيدة الراحلة الدكتورة رؤوفة حسن، في مدينة صنعاء القديمة "حي الطبري"، لأسرة متوسطة الدخل في تلك المرحلة، وقد مكنتها إرادتها القوية من مواصلة دراستها، وخلال مرحلة الإعدادية، بدأت تعمل في الإذاعة "إذاعة صنعاء" عبر برامج الأطفال، ثم تطورت مواهبها لتصبح واحدة من أبرز المذيعات في فترة السبعينيات، بعد أن تجاوزت الكثير من العقبات التي كانت تعترض عملها في الإذاعة خلال تلك الفترة التي لم يكن المجتمع اليمني يتقبل فيها عمل المرأة، بل يعتبر صوتها عورة. وبرغم أنها اضطرت إلى تغيير اسمها من أمة الرؤوف حسين إلى رؤوفة حسن، حتى لا تتسبب لأسرتها بالحرج بين أوساط المجتمع، إلا أنها استطاعت أن تحقق الكثير من الإنجازات العظيمة على مستوى عملها في الإذاعة والتلفزيون، وفي مجال الصحافة والإعلام عمومًا، في مرحلة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي. بعد تخرجها من الثانوية العامة بصنعاء، حصلت الدكتورة رؤوفة -رحمها الله- على منحة دراسية إلى جمهورية مصر العربية، وهناك درست الإعلام قسم صحافة، وحصلت على البكالوريوس، ثم عادت في بداية الثمانينيات، والتحقت بصحيفة "الثورة"كمحرر أخبار، ثم رئيسة قسم التحقيقات بالصحيفة، لتسجل بذلك أول امرأة تتولى موقعًا قياديًا صحفيًا في شمال اليمن. استطاعت الفقيدة أن تتقدم بشكل كبير في ممارسة الصحافة، وأصبحت أهميتها الصحفية تتعاظم فترة بعد أخرى، وبدأت تنشط في مجال قضايا المرأة وضرورة الانتصار لحقوقها وتمكينها من المشاركة، وكانت أول من دعا إلى ضرورة إشراك المرأة في الانتخابات، وتسجيل اسمها في سجلات الناخبين، حتى تحقق ذلك بالفعل، وترشحت لعضوية البرلمان في انتخابات 88م، التي جرت في شمال اليمن. استكملت دراستها العليا، وحصلت على شهادة البكالوريوس من كلية الإعلام بجامعة القاهرة، تخصص صحافة (1980م)، وحصلت على الماجستير من كلية فيرمونت بجامعة نورويتش الأمريكية (1984م)، ثم حصلت على شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة باريس الفرنسية (1991م)، عقب ذلك عادت إلى اليمن لتعمل في جامعة صنعاء بكلية الآداب، وكانت هذه بداية مرحلتها الثالثة في تجربتها الصحفية، ولكنها من أهم وأصعب المراحل التي مرت بها، لكنها كانت أقوى وأشجع من كل تلك الصعاب، ومن كل العقبات التي اعترضت طريقها، فصنعت بذلك مجدًا للمرأة اليمنية، وتاريخًا جديدًا لدورها في الإسهام بصناعة القرار وإدارة الحياة العامة بشكل عام. مثلت الفترة ما بين عامي 1991 و2011م، مرحلة الإنجازات العظيمة للدكتورة الراحلة رؤوفة حسن، رحمها الله، إذ كثفت نشاطها الأكاديمي والإعلامي والحقوقي والنسوي والاجتماعي بشكل أوسع، وكافحت في مختلف الجوانب والمجالات من أجل الانتصار لقيم الحداثة والمدنية والتطور، ورفع مستوى وعي المجتمع اليمني، ليكون قادرًا على مواكبة التطورات العصرية، فخاضت معارك شرسة مع القوى التقليدية، ومع السلطات الرسمية، ومع بعض الأحزاب السياسية ومراكز النفوذ القبلي والسياسي والعسكري في عموم اليمن، كما شكلت تحالفات سياسية ومدنية متعددة لمناصرة القضايا العامة وحقوق الإنسان وحقوق المرأة، وكافة القضايا الوطنية. لا أستطيع تسليط الضوء على كل مراحل ومحطات وتفاصيل التجربة الصحفية للدكتورة الراحلة رؤوفة حسن، لأن المجال هنا لا يتسع لذلك، ولا يمكن تحقيق حتى نسبة 20% من ذلك، لذا سأكتفي بالإشارة إلى أهم النجاحات والإجازات التي تحققت على يدي الفقيدة، رحمها الله، كنوع من رد الجميل لهذه الشخصية الصحفية والوطنية العظيمة. أنجزت الدكتورة رؤوفة حسن الكثير من الأشياء التي استفاد منها البلد والمجتمع والمرأة اليمنية والإعلاميون والصحفيون والناشطون وغيرهم.. من تلك المنجزات ما يلي: * افتتاح قسم الإعلام بكلية الآداب جامعة صنعاء، 1991م. * كلية مستقلة لدراسة كافة التخصصات الإعلامية والمتمثلة بكلية الإعلام الحالية، 1998م. * تمكين المرأة اليمنية من المشاركة في الانتخابات والترشح لأي منصب قيادي. * تشكيل تحالفات مدنية وسياسية وحقوقية لمناصرة قضايا المرأة اليمنية والدفاع عن حقوقها. * تأسيس عدد من المنظمات والمؤسسات والجمعيات النسوية الخاصة بتطوير وتأهيل قدرات المرأة اليمنية. * تأسيس مركز أبحاث ودراسات المرأة التابع لجامعة صنعاء. * التنسيق والتواصل مع عدد كبير من المنظمات الحقوقية والنسوية والتنموية الدولية، والاستفادة من خبراتها وتجاربها في تمكين المرأة اليمنية من المشاركة في الحياة السياسية والحياة العامة. * تأسيس وتمويل عدد من المشاريع والبرامج التدريبية والخدمية والتنموية الخاصمة بالمرأة ونشاطاتها. * رفع مستوى سقف الحريات العامة والحريات الصحفية والسياسية في الساحة الوطنية. * التنسيق والتواصل مع الأحزاب الوطنية، والاتفاق معها على تخصيص مواقع قيادة خاصة بالمرأة. * تخصيص صفحات وملاحق إعلامية وصحفية خاصة بالمرأة والقضايا والمجالات المتعلقة بها، لدى كافة الصحف والمؤسسات الإعلامية الرسمية والحزبية والمستقلة. * التنسيق والتواصل مع كافة المنظمات والمؤسسات المدنية والوطنية، لتعزيز دور المرأة وتمكينها من المشاركة في صناعة القرار. * تقديم الدعم الفني والإداري والمالي والتنموي والمعنوي لكل المنظمات والمؤسسات الناشطة في مجال مناصرة قضايا المرأة والديمقراطية وحقوق الإنسان. * رفد الساحة الثقافية والسياسية والأكاديمية والعلمية والفكرية والمدنية والنسوية بعشرات الكتب والأبحاث والدراسات المتخصصة والمتنوعة في كافة مجالات الحياة. * تأهيل وتدريب أعداد كبيرة من الصحفيين والإعلاميين، وتطوير قدراتهم ومعاراتهم المهنية والفنية. * تأهيل وتدريب عشرات الناشطين والناشطات في مؤسسات ومشاريع المجتمع المدني. * تنظيم وإقامة عشرات الفعاليات والمؤتمرات والندوات والأنشطة المتعلقة بمجال الصحافة والإعلام وقضايا المرأة وحقوق الإنسان وقضايا الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير ومنظمات المجتمع المدني والثقافي على مختلف الساحة الوطنية. وهناك الكثير من الإنجازات والجهود والعطاءات المثمرة التي حوتها التجربة الصحفية للدكتورة والإنسانة العظيمة الفقيدة الراحلة رؤوفة حسن، رحمها الله، والتي لا يمكن حصرها أو استعراضها عبر هذه السطور المتواضعة. لكنها من المؤكد تبقى متاحة للأجيال القادمة للوقوف أمامها بشكل دقيق ومسؤول، لتكون مرجعية عليا للمرأة التي لا تعترف بحدود النجاح. رحمها الله، وجعل مثواها الجنة… الفاتحة.