نظام استخدام الأراضي وملكية الأشجار في منطقة برط بين العرف والشرع لا يستند. هذا النظام إلى استخدام الأراضي في منطقة برط إلى مسح عقاري رسمي أو وثائق قانونية محددة بل يعتمد في تنظيمه على قواعد عرفية متوارثة بين المجتمعات المحلية ورغم غياب التوثيق فإن السكان يتشاركون فهماً ضمنيًا لطبيعة الحقوق والواجبات المرتبطة بالأرض ومواردها خصوصًا الأشجار حتى وإن لم تتطابق هذه المفاهيم دومًا مع التصورات الشرعية الإسلامية للملكية . من الأمثلة اللافتة على هذا النظام العرفي أشجار العُلوب جمع عَلب والتي يُعتقد أنها تمثل شجرة السدر الواردة في القرآن الكريم تُعتبر هذه الأشجار ضمن ما يُعرف شرعًا باللبن أي أنها قابلة للامتلاك سواء على نحو فردي أو مشترك يستفيد السكان من ثمارها للأكل وتُستخدم أوراقها وأغصانها كعلف للمواشي بينما يُعد خشبها من أجود الأنواع المستخدمة في البناء . أما أشجار القرض والطلح وهما نوعان من أشجار السنط فمكانتهما مختلفة .. القرض ينمو عادة بشكل ملتوي ما يجعله غير مناسب لصنع العوارض الخشبية أو البناء في حين أن الطلح عرضة للتسوس والتفكك ومع ذلك تلعب هاتان الشجرتان دورًا مهمًا في الحياة اليومية خصوصًا في إصلاح الآبار أو في الأعمال الطارئة حيث يُسمح لمالك البئر أن يأخذ ما يحتاجه من خشب هذه الأشجار من أراضٍ مشاع تُعرف محليًا بالفيش أو المقصور . اللافت في هذا السياق أن العُرف لا يميز بصرامة بين الخشب الحي والميت إلا أن الممارسة تُظهر نوعًا من الالتزام؛ إذ لا يُجمع الحطب الحي عادة إلا من قبل ملاك الأشجار أنفسهم سواء كانوا أفرادًا أو شركاء أما قطع الأشجار الحية دون إذن فيُقابل غالبًا بغرامة بينما يُتاح للجميع جمع الحطب الميت من الأراضي المشتركة . فيما يتعلق بزراعة أشجار العَلب فالنظرية العرفية تقول إنها تُزرع في سبيل الله أي أنها تُخصص للصالح العام ولا تُمنح فيها حقوق ملكية فردية لكن في الواقع معظم أشجار العَلب تُعد ملكًا شخصيًا أو تُورّث مما يكشف عن تناقض واضح بين المبدأ والتطبيق العملي وبالنسبة لأشجار القرض والطلح فتبدو ملكيتها أكثر تعقيدًا ففي منطقة وادي النيل الممتدة بين برط والمرشي تُنسب ملكية هذه الأشجار أحيانًا إلى جميع أفراد عشيرة ذي محمد رغم عدم وجود مستوطنات دائمة في معظم أجزاء الوادي الذي يُستخدم أساسًا للرعي . في أوائل الثمانينات لم يكن أحد يجمع الحطب من تلك المنطقة سوى البدو الذين يستخدمونه لإشعال نيران المخيمات وذلك خوفًا من أن يتدخل أحدهم – مثل سفيان – ويبدأ بجمع الحطب لأغراض تجارية مما يدل على وجود غموض وعدم حسم في حقوق الملكية وفي المقابل يرى البعض أن هذه الأراضي تنتمي تاريخيًا إلى عشيرة ذي زيد وبالتالي فإن الأشجار فيها وخصوصًا القرض والطلح تعود لهم ولهم حق الاستفادة منها خصوصًا فيما يتعلق بجمع الحطب الميت ورغم هذا الخلاف لم تحدث أي مواجهات أو نزاعات فعلية بين فروع ذي محمد حيث استمر الرعاة من ذي زيد في جمع الحطب بشكل محدود بينما تم تجنّب الجمع التجاري المكثف من قبل جميع الأطراف وهو ما يبدو أنه لا يزال قائمًا حتى بعد مرور أكثر من عقدين من الزمن ومع الاقتراب من الطرف السفلي للوادي تبدأ الأمور في الاتضاح أكثر حيث هناك تنتشر مناطق زراعية تابعة لذي زيد وتُحدد ملكية الأشجار بناءً على مجرى المياه فإذا كانت المياه تتجه إلى حقل معين فإن أشجار القرض والطلح المحيطة به تُعتبر ملكًا لأصحاب الحقل وإذا كانت المياه تصب في مستوطنة فإن الأشجار تُعد ملكًا جماعيًا لأهلها ومع ذلك تُحترم قاعدة أساسية وهي : لا يجوز قطع أي شجرة دون إذن صريح حتى لو كانت تقع داخل أرض مملوكة . أما في رأس الوادي حيث توجد أراضٍ تابعة لعشيرة ذي محمد فإن الطبيعة الجبلية الوعرة تجعل النشاط البشري نادرًا وبالتالي فإن قضايا ملكية الأشجار تكاد تكون غير مطروحة وإلى جانب هذا النظام تُعقّد الصورة مجموعة تُعرف بالشعبية من ذي حسين وهي قبيلة مختلفة كانت تسيطر تاريخيًا على أطراف وادي النيل وقد طُرد معظمها في الماضي إلا أن ست عائلات منها بقيت في أراضي ذي محمد نظرًا لعلاقات قرابة وثيقة خاصة مع فرعي ذي موسى وآل دمينة وهذه العائلات رغم أن أراضيها تقع ضمن حدود ذي محمد إلا أنها تُعد عرفيًا جزءًا من ذي حسين وتُقيم في شمال خراب المرعشي على بعد نحو خمسة كيلومترات .