يكاد شهر رمضان المبارك يطلّ بأنواره وبركاته ونفحاته, فنحن في أواخر شهر رجب المعظم, والمناسبات الزمنية والمكانية تلفت انتباه كثير من الناس إلى قِصر العمر البشري وتصنع حساسية إزاء الزمن. بعض الناس يتلقى انصراف الزمن على هذا النحو السريع فيكثر من التأمل, فيعمل على ما فاته من صالح العمل, وبعض الناس يشعر بشيء من الكآبة والضيق حين لم يستطع أن يجمع المزيد من حطام الدنيا, وبعضهم يشعر بالانزعاج حينما لم يفلح في الإقبال على الملذات والشهوات. كل إنسان- إذن- يتلقى حركة الزمن بحسب موقعه في الثقافة التي فهمها ونشأ عليها. وقد كان المسلمون الأول يكثرون من الصالحات ويُحاسبون أنفسهم قبل أن يُحاسبوا, فيشعرون بالخسار والويل لأنهم لم ينفقوا كل لحظة من لحظات حياتهم في العمل الصالح. هاهو سيف الله المسلول خالد بن الوليد وقد شهد المعارك وخاض البطولات, حتى إنه لم يكن في جسده موضع إلا وقد أصابه طعنة رمح أو ضربة سيف أو رمية سهم, هانحن نجده حين أشرف عليه الموت يقول: (هاأنا أموت على فراشي كما يموت البعير, فلا نامت أعين الجبناء) أي أنه حزين يشعر بالمرارة والغبن حين لم ينل شرف الشهادة في المعركة, بل إنه يموت كما يموت البعير على الفراش!!. إن حساسية الزمن كانت وليدة الإسلام وناتجاً إيجابياً من نتائجه, وإن العبادة الإسلامية ترمز لحركة زمنية متصلة تدفع المسلم ليكون على صلة مع ربه والكون الذي هو أحد أفراده وبعض عناصره. إن الصلوات الخمس تنبّه المسلم على حركة الزمن, فكأن المسلم في صلاة متصلة, فالصبح تهيئ المسلم لصلاة الظهر الذي يحثه على صلاة العصر وهكذا. وقال الصوفيون إن الأذان لا يكاد يسكت لحظة في العالم, فلا يكاد يسكت المؤذن في مكان حتى ينبعث الأذان في مكان آخر. ومن هنا قالوا إن هذا بعض التكريم لرسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام حين جاء ذكره في قوله تعالى: (ورفعنا لك ذكرك) فاسم النبي الكريم يقترن بذكر الله على مدار الساعة.