حين وصلني خبر الاتفاق على محضر تنفيذ اتفاق فبراير 2009م, المبرم بين أحزاب اللقاء المشترك والمؤتمر الشعبي العام حضرتْ في ذهني فكرة القطيعة غير المبررة التي كانت بين هذه الأحزاب، والتي لطالما رأينا كثيراً من الكتابات والآراء التي انتهجت مبدأ توسيع الشُقّة وزيادة الهوة بين أحزابٍ يجمعها العمل الوطني وتجسيد المفهوم الديمقراطي الذي ارتضاه الشعب منهجاً لإدارة العمل السياسي في وطن واحد، وحالم بأجواء أخوية يسودها التشارك في إنهاض الوطن على مختلف الصعد , بعد تقهقر وتراجع خلّفتهما مظاهر الاقتتال والتناحر طيلة عقودٍ كان الخاسر فيها هو الشعب اليمني وحده. حريٌ بكل الآراء أن تحسن الظن بالجميع.. وأن تتذكر - مهما رأتْ حجم التباين في وجهات النظر - أن جميع الأحزاب قوى وطنية وإفرازات شرعية تكتسب أهمية وجودها من يمنٍ حديثٍ وديمقراطي يختلف فيه الفرقاء ليتفقوا، ويتنافرون ليلتئموا , وهو واقع يجسد مشهداً ديمقراطياً وفعاليةً سياسيةً تبعث النشاط والحركة في الساحة بعيداً عن هيمنة الرأي الواحد واحتكاره لوجهات النظر حول مختلف المشكلات والأزمات التي يواجهها الوطن. اتفاقهم اليوم , في هذا الشهر الحرام , يبرز إيمانهم بوجود قضية جوهرية ينبغي أن تتوحد حولها الجهود وتتكاتف ؛ ألا وهي الحفاظ على يمنٍ واحدٍ آمنٍ ومستقرٍ ومزدهرٍ بعيداً عن الصراعات والنزاعات المغرضة والمكايدات التي تؤسس للكراهية والجهوية .. والاختلاف في ظل هذا الإيمان لايفسد للود قضية , كما أنه ليس بحاجة إلى من يشحذ سيف العداء وأمواس الفتنة بين الطرفين من قواعدهما , وهو أحوج إلى وعي تتمثله مختلف الآراء والكتابات المتقابلة بما يمكّنها من إنجاح موقف شعبي يحفز هممْ القيادات الحزبية إلى التقارب والتآلف وقبول الآراء والتشارك في رسم البرامج والخطط التي تقودنا باتجاه استكمال بناء الدولة المدنية الحديثة. إن التوقيع على تشكيل لجنة للتهيئة والإعداد للحوار الوطني خطوة أولى أطلقت فينا دفقاتٍ من الأمل بقرب انفراجٍ يُودِّع به الوطن أجواء الاحتقان ؛ لأن الإرادة التي صنعت اتفاق (فبراير) قادرة على صنع اتفاق آخر يسير بالعملية الديمقراطية في مسارها الطبيعي باتجاه السابع والعشرين من ابريل 2011م , وبقلوب مؤمنة بالخيار الديمقراطي في تبادل السلطة ,وليس هناك من فائز أو خاسر , فالكل في عُرْف الديمقراطية مسئولون أمام هذا الوطن في تحقيق رفعته وتقدمه والحفاظ على أمنه واستقراره , وكلٌ بحسب موقعه. فالذي يحكمُ له مسئوليات , والمعارض له مسئوليات على اختلافٍ بينهما في الأنواع .. لكنّ الجميع يدرك مايتهدد هذا الوطن من أخطار ومخططات تآمرية , وأزمات يغذيها الصراع بين الفرقاء السياسيين , والمخرج من كل هذا يتمحور في لمّ الشمل واجتماع الكلمة لمجابهة مختلف التحديات .. فالوطن يتسع للجميع .. والمطلوب تنمية هذا الحدث الديمقراطي المتمثل بالاتفاق بين (المؤتمر والمشترك) إلى أن يغدو بوابة اليمن إلى عالم التنمية والاستقرار والقضاء على مختلف الاختلالات والمشكلات العالقة.