عندما ولدت صوفي في نيويورك عام 1996 م لفت نظر والدتها أن إبهام القدمين منحرفان فسألت طبيب الأطفال عن ذلك فطمأنها أن لا خوف على الطفلة وسوف يعتدل الانحراف بعد قليل ولم ينتبه الطبيب أن هذا الانحراف هو الإنذار الخفي لكارثة عارمة في طريقها لتطويق حياة الطفلة بإصابتها بمرض التعظم، وهذا المرض نادر للغاية ولا يعثر عليه مثلا في ألمانيا إلا لطفل واحد كل ثلاث سنوات لحسن الحظ بل ورحمة الله ولطفه بالعباد. وفي العالم 3000 حالة. ويرمز للمرض بثلاثة أحرف هي FOP فوب باللغة الإنكليزية وهي مقدمة ثلاث كلمات تعني سوء أو عسرة التليف العظمي المترقي Fibrodysplasia Ossificans Progressiva ويتظاهر هذا المرض المحير بأن المصاب فيه يتحول إلى تمثال من عظم مترقي مع الوقت يبدأ بالرقبة من الخلف فيمسك به ثم ينزل إلى العمود الظهري ثم إلى الكتفين والذراعين فيثبتهما كما في وضعية الصلاة ثم يتدرج إلى الكاحلين وفي النهاية يصبح الإنسان هيكل عظمي بدون عضلات وحركة وبدون أربطة ومفاصل متخشبا مجمدا في الفيزيولوجيا. ومثلاً فإن روجر تسوم فيلده من هامبورغ في ألمانيا أصبح له عشر سنوات لا يستطيع الجلوس وأمامه أمران إما وقف أو نام مثل قطعة متيبسة من الخشب. أما جيني بيبر من ميشجان فقد تيبس فمها فلا تستطيع المضغ وثبتت يداها على صدرها مثل التمثال. أما هاري ايستلاك من فيلادلفيا فقصته عجيبة فقد ولد عام 1933م ثم بدأ المرض في الترقي معه حتى حوله إلى تمثال على قيد الحياة ثم مات عام 1972 بالتهاب رئوي وقال في وصيته أضع جثتي بين يدي الناس عبرة للناس وتذكيراً بالصحة وخدمة للعلم فجثته حالياً في المتحف يحدق فيها الأطفال بذهول وهم يرون ليس هيكلاً عظمياً كما هو في كل واحد منا بل جثة متعظمة. وعجب المرض أنه ليس خبيثاً بل يتحول كل ما يجرح أو يشق أو يخدش ولو كانت حقن إبرة تخدير عند طبيب الأسنان فبدلاً من أن يترمم كما يحدث عند كل واحد منا بل يتحول إلى عظم. وهو من النوع العادي تماماً. أي أنه عظم إذا انكسر انجبر وإذا حمل قسا وإذا ترك تعرض لرقة العظام وإذا قطع رجع فنما بأشد ضراوة من الأول عظما قاسيا كما في أي عظمة في الجسم. واليوم أنشأت جيني بيبر جمعية أمريكية خاصة بالمصابين تضم حوالي 300 عضواً من 42 بلدا ولهم اجتماعاتهم السنوية وهم يجمعون التبرعات للدكتور كابلان من جامعة فيلادلفيا الذي يجري أبحاثه على المرض. ومن الغريب أنه اكتشف بمساعدة آخرين أن خلايا الجسم لها لغتها الكيمياوية الخاصة وهناك على الكروموسوم الرابع مكان خاص لإطلاق جين مسئول عن بناء العظام بواسطة بروتين اسمه BMP4 وهذا معدل بواسطة بروتين آخر اسمه نوجين. وفي البداية ظن الفريق أن المسألة بسيطة مثل زائد وناقص ولكن تبين أن حلقة تنظيم ذلك فوق التصور مثل تخثر وتميع الدم فهناك سلسلة من المواد مثل صماد وسمورف ساني وشنوري وبامبي وهي مثل أسماء الجن وكلها تعمل مثل أوركسترا غناء لإخراج أعذب الألحان. فيستوي الجسم بين بناء وحل العظم. وعدم الخطأ في إنتاج النسيج السليم في المكان السليم. ويقول الدكتور ريشارد هارلاند من جامعة بيركلي في كاليفورنيا إنها لا تزيد عن الخطأ في تهجئة كلمة في التركيب الجيني ولكنها كافية فكلمة فكر يمكن أن تصبح كفرا. أو تكرار الطبع عظم ..عظم فلا يخرج محل العضلات والأوتار إلا عظما مثل خطأ أي مطبعة ديجتال. ويأمل الطبيب كابلان أنه بحقن مادة النوجين يشفى المريض. ولكن الطريق ما زال طويلاً، وكما يقول واتسون مكتشف الكود الوراثي عام 1962م إن أمامنا 500 عام أخرى لإماطة اللثام عن الإنسان. وفي أنفسكم أفلا تبصرون.