رغم إيماننا الكبير بالتسامح وبالعفوية وحسن النية وبغير ذلك من أساليب التعامل المجردة من التعقيدات والعقد ,فإننا قد نندم أحياناً حين تأتي ثمار التسامح على غير ما ينبغي ونجدها قد تحولت إلى سموم وحراب موجهة نحو صدورنا وغيرنا ممن يؤمنون بنفس النهج.. وحين تحسب العفوية وحسن النية سلباً على أصحابها ,وحين تفسر على أنها غباء وجهل وسذاجة ,ويدفع أصحاب النوايا الحسنة بالأصالة عن أنفسهم وبالنيابة عن غيرهم اثماناً باهظة أو يدفع الجميع ذلك حينذاك لن تبقى الأمور كما كانت عليه من قبل ,ولن يبقى التسامح وحسن النية مزايا لا من وجهة نظر الفرد لنفسه ولا في نظر غيره الذين سيكيلون له تهم الحماقة بلا هوادة وسيلومونه إلى حد الجلد والعقاب منكرين عليه ما قاله وما فعله تحت مظلة التسامح والبراءة وحسن النية والكثير منهم لن يتورع ولن يتردد في صب لعناته على القيم النبيلة والسامية وأصحابها طالما جاءت النتائج على غير المتوقع نتيجة غدر الغادرين وخيانة الخائنين وعمالة العملاء. يمكن أن تتحول قيم التسامح والعفوية والبساطة إلى خطايا يظل صاحبها يستغفر الله منها بقية أيام عمره ,وهذا بالطبع ليس لأن تلك القيم خطايا بذاتها ولكن حين يجري التعامل بها مع من لايؤمنون بها ولا يقدرونها ويستغلونها استغلالاً سيئاً لإلحاق الضرر بحاملها وبالمجتمع الذي يتأثر بصورة أو بأخرى بعلاقات من ذلك النوع.. مؤسف أن يصبح سلوك التسامح وغيره من السلوكيات القائمة عليه وعلى حسن النية في قفص الاتهام ويصل الحال بالفرد لأن يندم على تعامله بتلك الطريقة، هذا الأمر قد يحدث على مستوى علاقات الأفراد وعلى المستويات الأعلى من ذلك إلى العلاقات الدولية ,وبالمناسبة العلاقات الدولية تقوم بالأساس على السياسة، والسياسة لاتعترف بحسن النية ولا بغيرها من القيم والأخلاق ولكنها تعترف بالمصالح والأهداف المرجوة من هذا الطرف أو ذاك وعليه فإن التسامح وحسن النية ضرب من السخافة في هذا الميدان وهذا أمر واضح ويدركه كل المشتغلين بالسياسة حتى المبتدئين منهم ,لكن المشكلة الحقيقية التي أوقعت التسامح والبراءة في محنة كبرى هي العلاقات الداخلية بين أبناء المجتمع الواحد والبلد الواحد سواء أكانت تلك العلاقات اجتماعية أم سياسية ,فعلى المستوى الاجتماعي والإنساني أعتقد أن الكثير منا يستغفر نفسه ومن حوله ويستغفر الله من خطايا نبتت على تربة التسامح وحسن النية، لأن الطرف الآخر أراد لها أن تحسب خطايا وذنوباً,والكثير من الناس كفروا بالمحبة والصداقة حين أخطأت سبيلها وذهبت إلى من لايستحقها ولا يؤمن بها فكان لزاماً على صاحبها أن يحسبها من خطايا عمره ويندم على ذلك أشد الندم. أما على المستوى السياسي الداخلي وما يشبه ذلك من علاقات فإن الساحة تزخر بالخطايا والذنوب والآثام وذلك لأن البعض يتعامل بمبدأ السياسة القذرة حتى مع الشركاء والإخوة في الوطن ,والبعض يتعامل بمبدأ (التقية) وهو مبدأ سياسي ديني أو ديني سياسي وقد اجتمع المبدآن فتحولت سياسة التسامح وحسن النية إلى خطيئة ليس بذاتها ولكن في حضرة من لا يؤمن بها.