•يعد منبر المسجد واحداً من المنابر التنويرية التي لايمكن إغفالها أو القفز عليها عند الحديث عن التوعية في أي جانب من شئون حياتنا أكانت سياسية أم اقتصادية أم ثقافية أم اجتماعية ولا يقل أهمية عن الوسائل الإعلامية المختلفة المقروءة والمرئية والمسموعة، ولا أعتقد أن هناك من سيختلف معي في هذا القول بل ربما يكون هناك من هو أكثر مني تأكيداً على أهمية هذا المنبر وما يمثله على مستوى الواقع الوطني عموماً. منبر المسجد.. وسيلة إعلامية أكثر تأثيراً من كثير من الوسائل الإعلامية المعروفة، كون رسالته أكثر ارتباطاً بالناس وتهدف في الأساس إلى الإصلاح والصلاح ولفت الناس إلى ما ينفعهم ويبقى ويمكث في الأرض وليس إلى ما يذهب جفاءً غير مأسوف عليه. والسؤال الذي ينبغي إثارته في هذا الحيز وفي هذه الخواتيم المباركة من هذا الشهر الفضيل هو: هل ترتبط رسالة المسجد اليوم بقضايا الناس أياً كان شكلها،أم ابتعدت وذهبت عن أهدافها الرئيسية ،وسقطت في مهاوي المزايدات والمناكفات التي تخوضها الأحزاب والتنظيمات السياسية وحولت معها الوطن إلى بؤرة صراعات لا تهدأ أو تنام؟! •من المؤسف حقاً أن نجد الكثير من خطباء وأئمة المساجد نأوا برسالة المسجد التنويرية والتثقيفية والتوعوية واستبدلوها بالحديث عن مواضيع قد يكون طابعها فئوياً حزبياً يطغى عليها الجانب السياسي. خطباء وظفوا رسالة المسجد اليوم بما يخدم فئة من الناس أو إثارة قضايا لا تسمن ولا تغني من جوع!!.. نستمع للكثير من الخطباء عند صلاة الجمعة وفي الوقت الذي نتمنى فيه أن يكون واحد من هؤلاء الخطباء مرتبطاً ارتباطاً كلياً بقضايا الناس وهمومهم نجدهم مع الأسف الشديد بعيدين كل البعد عما يهم الناس..، وعما يهم الوطن وعما يهدف إلى تلافي الكثير من الإشكالات القائمة التي تؤثر بشكل أو بآخر على التنمية.. مَنْ مِنْ الخطباء اليوم يوظف خطبتي الجمعة لتناول الكثير من المظاهر والظواهر السلبية التي وجدت وتسيَّدت في مجتمعاتنا وأثرت على الكثير من شئون حياتنا؟! مَنْ مِنْ الخطباء اليوم يتحدث عن السلاح وآثاره التدميرية على الحياة بسبب انتشاره وغياب الضوابط المنظمة لحمله؟ مَنْ مِنَ الخطباء يتحدث اليوم عن ثقافة الاعتدال والوسطية والإخاء والمحبة والتسامح وتوضيح أضرار ومخاطر ثقافة الكراهية والغلو والتطرف والإرهاب؟! من يتحدث اليوم عن قيم الولاء والانتماء وحب الوطن أو يذُكر بالقيم الحية التي تعزز في النفوس مفاهيم البناء والنمو، وترك ماعداها من مفاهيم هدامة وتخريبية وفوضوية.؟! من منهم يوظف خطبتي الجمعة لتناول مواضيع تحث على تعزيز الشراكة بين أبناء الوطن والسلطات المحلية في المحافظات وتؤكد عليها في مواجهة الكثير من الظواهر السلبية والعمل على إنهائها؟!.. هل سمعت خطيباً يتحدث في إحدى خطبتي الجمعة عن المرور كثقافة مجتمعية أو عن التوعية بمخاطر الزواج المبكر أو زواج الصغيرات وعن ضرورة تحديد النسل ،أو عن واجبات ومسئوليات الموظف في أي سلك كان أو عن الفساد وأضراره ومخاطره أو عن الترشيد في الاستهلاك والابتعاد عن الإسراف والتبذير؟!.. •كل تلك القضايا التي أشرت إليها هي من أولى أولويات رسالة المسجد والتي ينبغي على الخطباء إيلاؤها الأهمية.. رسالة المسجد في الأول والأخير هي رسالة تثقيفية وتوعوية وترتبط أساساً بالناس وبالقضايا المجتمعية المحلية أياً كان شكلها أو نوعها.. وللخطيب وعبر رسالة المسجد دور كبير في الانتصار للقيم الحية التي ترسخ في النفوس معاني الأمانة والنزاهة والشرف.. وتؤكد على الاصطفاف الجمعي لمواجهة كافة الإشكالات التي تواجه الوطن وأبناء الشعب. فهل يكون الخطيب أكثر ارتباطاً بالناس وبقضايا مجتمعاته المحلية أم أن تلك القضايا ليست من الدين في شيء؟ مع تقديري للكثير من الخطباء وأئمة المساجد الذين يراعون الله في كل أقوالهم وشئون حياة الناس والوطن.. واللهم إني صائم.