لاتزال الزنابير الفضائية مهيمنة وطاغية على البشر, فمنذ هيمنة هذه الزنابير في هذا الزمن نجد أن ثقافة العلوم والمعارف العلمية تضاءلت عند شباب اليوم, وتغلبت بالمقابل ثقافة الجنس إلى حد أضرّت بالأخلاق وفتكت الأمراض الجنسية بالملايين, بدءاً من أمراض الزُّهري حتى مرض العصر الذي لازال ينهش في العظام, وهو مرض الإيدز المنتشر. ولنعد قليلاً إلى الوراء, ففي مرّة كتب الدكتور “سباستيان إنت” مؤلف كتاب (سفينة الحمقى) مايلي:من فرنسا جاءت اللوثة اللئيمة وتسلل الزهري عبر الألَب متجاوزاً نهر الدانوب إلى ألمانيا. والآن يحصد ولازال رغم وجود أمراض أخرى متفرعة- يحصد في كثير من البلدان الأوروبية والأفريقية عشرات الآلاف من البشر. ثم انفجر المرض في العالم برمّته, وغلف بجناحيه السوداوين الكرة الأرضية, بحيث يزداد شدةً عندما تزداد شدة الانحراف والفسوق الأخلاقي, وبقي هذا المرض لسنوات يحصد الأرواح دون رحمة, ولم يبدأ الصراع لمكافحة هذا المرض الخبيث إلا مع مطلع القرن العشرين وتحديداً في عام 1928م استطاع “فلمنج” بواسطة اكتشاف البنسلين وضع الحد النهائي للمرض, وعبر قراءاتي الرمضانية لفت نظري موضوع هام للدكتور”خالص جلبي” وموضوعه(الصوم وبيولوجيا الأخلاق) وفيه يقول: أي طاقة في هذا الوجود هي بين ثلاث حالات:- الكبت والانفلات والتنظيم, وينطبق هذا على قوى الطبيعة كما ينطبق على قوى النفس. وهكذا فالسدود هي عملية ضبط وتنظيم لطاقة الماء بين شح المياه في عام والفيضانات المدمرة في عام آخر.. كذلك الكهرباء فهي بين حالة الصواعق الحارقة والقوة المهولة, واستطاع الذكاء الإنساني تسخير هذه الطاقة بأفضل من قصة علي بابا والمصباح السحري والجني حيث طوع هذه القوة الماردة والتي تشكل إحدى قوى الوجود الخمس الرئيسية في سلك رفيع نحيف ليرفع المصعد, وينير المصباح, يرنُّ التلفون ويضيء التلفزيون, يستقبل الفاكس, ويتوهج الكمبيوتر, كذلك هي الحال مع قوى النفس وغرائزها. فالغريزة الجنسية هي في حالة توتر بين الإفراط والتفريط, بين الوقاع بأشد من الأكباش والعنانة المحطمة, والعجز الجنسي المؤلم, والمحير حتى للأطباء . هذا مايقوله الدكتور(خالص جلبي) , فالصوم له استراتيجيته تجاه طاقات النفس .. هي إنشاء الذات المنتظمة التي تصقل الإرادة من خلال رفع التوتر في مستوى المثل الأعلى, كي يتم ضبط الغرائز وتنظيمها, ومنها الطاقة الجنسية التي تكسر حدتها ويسهُل لجمها. وكم هو غريب مع استفحال أمراض العصر تدفق المشعوذين من كل حدب وصوب, مشجّعين من قبل بعض الفضائيات بزعم أنهم أقدر على جلب الدواء للداء والشفاء العاجل, على أساس الخلاص من أمراض العصر وذلك مايعملونه هؤلاء المشعوذون من طحالب وأعشاب ومن نقيع لحاء الشجر, وغطس المرضى في دماء العجول المذبوحة حديثاً. وكتابة الرقي للأرواح والنجوم والكواكب واستخدام الأرواح والأشباح.. وكانت أكثر مواصفات أدوية المشعوذين تقترب تأثيراتها من التسمم, والأعجب أن عادة الشعوذة منتشرة في عالمنا العربي والإسلامي ومع تفشي الجهل والأمية تجد من يصدقها. ولاغرابة أن أمراض الجنس أصابت خلال قرن واحد وحتى الآن شرائح واسعة من المجتمع الأوروبي شعراء ومفكرين, فلاسفة ونوابغ من الممثلين والموسيقيين. ومع تزايد أمراض العصر في هذا الزمن تفتقد الثقة في عوالم الغرب بالأمانة الزوجية وكثرة الطلاق وضياع الأولاد في شوارع الجريمة والأمراض.