ولّى رمضان ببهجته وزهرته وأقبل عيد الفطر بفرحته ومظاهرها المتمثلة في لبس الجديد وزيارة القريب والبعيد ,والملبس في العيد صورة إيمانية لها دلالاتها التعبدية كما لها إشارتها في بعث الحياة في جسد الصائم وتطهّره من أمراض الماضي وأدرانه وذنوبه , واستهلاله لحياة جديدة وعمر جديد بعد أن عاش مرحلة استجمام نورانية استعاد خلالها الجسد نشاطه , والمعدة قدرتها , والروح صفاءها والضمير إحساسه وعافيته. فلبس الجديد مظهر فرائحي يلقي الضوء على نقاوة هذا الدين وسموه وحرصه على أن يظهر المسلم ويتميز عن غيره بالمظهر الحسن والرائحة الطيبة , وهي - ولله الحمد - سنة لاتزال دعائمها وطيدة . فالناس يحرصون على أن تكتمل فرحة الصائم بالملبس الجميل , وعلى أن تنتشر الفرحة بين الأطفال وهم يلبسون الجديد أيضاً ويمرحون مع بعضهم في أجواء ترفيهية ينبغي استغلالها في حدود اللياقة والآداب. لكن الواقع يقول إن الملبس الجديد أصبح قضية مؤرقة للغالبية من الناس إلى الحد الذي رأيناها تتسبب في إفساد فرحة الصائم بالعيد , أو تحولها - أي هذه القضية - إلى معضلة يكثر حديث الناس حولها ويتواتر تذمّرهم وهم يواجهون صلف التجار وباعة الملابس بأنواعها , لأن هؤلاء الأخيرين يرون هذا العيد موسمهم الكبير وفرصتهم السانحة لزيادة الدخل وجني كثير من الأرباح. ودعونا نغوص في حقيقة المشكلة .. فالمواطنون يشكون جور الأسعار مع رداءة السلع , وهذا يعني أن تجار اليوم يحرصون على استيراد أصناف رديئة وخامات غير صحية , يتأكد أنها صديقة لأمراض حكة الجلد والتهابه لاسيما عند الأطفال , وهذا التلاعب بخامات الأقمشة كله بدافع الإثراء وزيادة الربح السنوي مستغلين الظروف المعيشية الصعبة وإيثار المستهلك لما هو أقل قيمة حتى يتمكن من تغطية حاجة جميع أبنائه للملابس الجديدة وما يتبعها من أحذية وكماليات . الكثير من خامات الأقمشة والملبوسات المتداولة اليوم في الأسواق خامات لاعلاقة لها بمعايير الجودة في إنتاج الملبوسات القطنية والأصواف ؛ لأن تجار الاستيراد يشترطون على معامل الإنتاج الصينية أن يكون نسبة البلوستر أو (النايلون) أكثر بكثير من نسبة القطن الذي سعره دائماً أغلى من الأول.. وهم بهذه الطريقة يضمنون زيادة الأرباح بدون أن يهمهم جودة المصنوع لأنهم يعرفون أن في اليمن مستهلكاً فقيراً سيشتري مجبراً. والأمر المؤرق لكل متأمل أن السلعة المنتجة تحمل قصاصة الهوية المثبتة على أحد أطرافها معلومات مضللة للمستهلك كأن تقرأ عليها (قطن 100 %) في حين تقول الحقيقة إن القطن فيها لايتجاوز نسبته 20 % تزيد قليلاً أو تنقص. أما الجهات المختصة في الموانئ والمعابر وهيئة الجودة والمقاييس فإن لها جهدها المشكور في محاربة تضليل التجار للمستهلكين في مسألة هوية السلعة وبلد المنشأ كون إجراءات الحزم قد كبحت جماح التجار في الكذب على الذقون بأن هذا المنتج أو ذاك صنع في اليابان أو غيرها من الدول ذات الثقل الصناعي حتى يثق المستهلك بجودة السلعة. ومن هنا فالأمر يحتاج من هذه الجهات المختصة مواصلة الجهود في إلزام المستوردين بصرامة في الالتزام بمعايير الجودة ووضع حد لتصنيع الأقمشة الرديئة قصيرة العمر , المحتوية على مواد منافية لمبادىء الصحة المؤكدة على ارتداء ملبوسات صحية لاتؤذي الجسم ولا تورّث له العاهات الجلدية لاسيما في موسم الحر. الكرة الآن في ملعب هيئة الجودة والمقاييس , فهل عساها تصنع شيئاً .. نأمل ذلك؟ .. عيدكم مبارك وكل عام وأنتم بخير .