لا نسمع كل شيء بواسطة الأذن، فالأذن الآدمية تسمع بقدر ما، وهي إلى ذلك قادرة أيضاً على تجاوز مألوف الاستماع إلى مستويات متقدمة ، ولهذا يقال عن قادة الفرق الموسيقية بأنهم يسمعون أكثر من غيرهم، ولديهم أجهزة استماع بيولوجية مغايرة لبقية الناس، ولهذا فإن قادة الفرق الموسيقية يستطيعون استجلاء صوت كل آلة من بين مئات الآلات التي تباشر العزف في نفس الوقت. قيل إن الموسيقار العالمي «موزارت» حضر حفلاً فنياً اوركسترالياً وهو مازال طفلاً صغيراً، ولاحظ على صغر سنه وحداثة عهده بالموسيقى أن هنالك صوت آلة وترية تنشّز وتخرج من التناغم المطلوب أو ما يسمى في لغة الموسيقى بالهارموني، وحالما أبلغ الصبي رئيس الفرقة بالملاحظة وتيقّن هذا الأخير مما ذهب إليه «موزارت» الصغير اقتنع بأنه أمام أذن موسيقية خارقة للعادة. يعقد علماء الموسيقى تشبيهاً بين استماع المجربين العارفين بأسرار الألحان والنغمات باستماع بعض الحيوانات ذات الحساسية الاستثنائية في التقاط الصوت مثل الغزال!! فيقولون إن فلاناً يحمل أذني غزال، أي أنه شديد الحساسية في التقاط الأصوات، لكن الغزال الشارد الذي وهبه الله هذه المنّة حتى يتقي شر أعدائه في الغابة، خلق مطبوعاً بحساسية الاستماع الرفيعة، فيما الإنسان يمتلك هذه الحساسية بالدربة والممارسة، ولعله يستطيع أن يستمع إلى أصوات بعيدة جداً، فقد ثبت أن الإشارة الصوتية تصل أحياناً بعد أن تعبر القارات والشواطئ والأنهار والبحار والصحراء والجبال، لكن مثل هذا الوصول ملتبس بعوامل نفسية وشعورية مازال علم النفس الحديث يحتار في كيفية تفسيرها. نحن إذن نسمع بعضاً من كل، وهنالك كائنات تسمع ما لا نسمع، وأخرى لا تسمع ما نسمع، فنحن، على سبيل المثال، لا نستطيع الاستماع إلى الأصوات الدقيقة التي تطلقها الكائنات البكتيرية، ولا يمكننا أن نستمع إلى ضجيج المدن الكبيرة؛ لأننا تآلفنا مع الصخب، وأصبح هذا الصخب جزءاً من حياتنا، وقد جرّب بعض العلماء تعطيل حاسة التعود على الاستماع إلى ضجيج المد ، فوجدوا أن الأصوات المنطلقة من العربات والقطارات والطائرات وآلات الحفر والبناء تشكل الجزء الغالب من الاستماع غير الواعي أو غير المدرك، حتى إن هذا الصخب العارم سحب من آذاننا ميزة الاستماع الطبيعية، فلم نعد نشعر بالتوليفات الموسيقية الأكثر جمالاً، حتى إننا نعيش تلوثاً موسيقياً يوازي التلوث البيئي.