يقول اللّه في سورة إبراهيم: ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم) . فلا دعوة بدون بيان، ولا بيان بدون التمكن من ناصية اللغة، والأفكار تختنق باختناق الكلمات، وما على الرسول إلا البلاغ، ومهمته ليست الإقناع بل التبيين، وهي تتم بمفاصل لغوية واضحة ونظام فكري سليم، وأفضل تعليم للغة هي في سنِّ الطفولة وبالسماع، وكلما ابتدأ الطفل بتمرين أذنه على لغة جديدة من سنٍّ مبكرة كان كالنقش في الحجر. وكلما تعلّم المرء لغة جديدة بسنٍّ متأخرة أفسدتها غرابة اللكنة، وتُفلت الكلمات واضطراب القواعد. ويُمكن للطفل الذي تعلّم لغةً واحدةً أن يتعّلم عشر لغات بسهولة، وهي ليست اختراقاً عبقرياً كما يحاول البعض إيهامنا، ومن لم يتعلم لغةً واحدة في الصغر فاته النطق كلية، وتحول إلى حيوان بدون أمل في العودة، وهو أمر مروع كشفت عنه الأبحاث الأنثروبولوجية الحديثة، وأنا شخصيا أتقن الألمانية أكثر من الإنكليزية، وأحببت اللغة الإسبانية وأتعلم التاجالوج لغة الفليبينيين وفي نيتي أن أتعلم الفرنسية، وبناتي يتكلمن أربع لغات بطلاقة فإن تكلمت بواحدة منها خيل للسامع أنها لغة الأم، وهي لغات جداً مختلفة بين الشركسية والعربية والفرنسية والإنكليزية، وأكثر من بنت نطقت الألمانية بلكنتها الأساسية ويمكن استرجاعها بإقامة أشهر. وحديثي عن تعلم اللغة أن الله يسوق أحياناً فرصاً تاريخية لفتح هذا الثقب وتعلم لغة جديدة. ولا خوف منها بل اعتبارها فرصة تاريخية، وعندما التحقت بناتي في مونتريال بالمدارس الفرنسية تخوف البعض وسررت أنا لقناعتي أن الفرنسية سيتعلمنها في المدارس الفرنسية بنفس الوقت الذي سوف يتعلمن الإنكليزية بالامتصاص من الجو الإنكليزي السائد. ويشعر المرء عندما يتعلم لساناً جديداً أنه اكتشف عالماً جديداً وانقلب إلى شخصية جديدة، وأنا شخصيا عندما أنزل في ألمانيا في زيارة ينطلق لساني بلغتهم وتبدأ مفاصلي في البرمجة على فعاليتهم ونشاطهم. ويصبح مشيي خببا ونطقي أدق وارتكاساتي أسرع. وهناك عدة اعتبارات لأهمية تعلم لغة أجنبية. فإن كان مسلماً أوصل دعوته بالموعظة الحسنة والجدل بالتي هي أحسن بلغة سليمة يحتاج فيها الغرب حالياً كل فكرة عن القرآن، وفي الجدل الساخن الذي دار على الهواء حول تدريس القرآن في جامعة نورث كارولينا دافع عن القرآن رجل غير مسلم لقناعته بضرورة نقل هذا الكتاب للضمير الغربي، واللّه غالب على أمره. وإن قصر المسلمون في تعلم لغة القوم فسوف يستبدل بهم قوماً آخرين ثم لا يكونوا أمثالهم. وهنا يجب الإشارة أن تعلّم اللسان هو علمان: لسان وثقافة ولذا لا بد من الاختلاط معهم لفهمهم، وسيبلغ هذا الدين ما بلغ الليل والنهار.