في خضمّ الحديث المحلي والقطري والأممي عن المياه في المستقبل, تناولت مجموعة من الناس في رصيف الشارع أثناء تناولهم القات تحت ظل بلكونة منزل بعد سماعهم أخباراً لا تسر من مصر والعراق والضفة الغربية وتثار بين الحين والآخر منذ سنوات مدعّمة بالصور المريرة للفلسطينيين الذين سحبت اسرائيل مياههم للمستوطنات وحرمتهم منها بتاتاً إذا ماقورن مايحصلون عليه مع مايستهلكه الإسرائيلي في المستوطنات لليوم الواحد. فمن قائل بأن أزمة مصر المائية على وجه التحديد ستفوق التصور على مدى عقدين أو ثلاثة من السنين, إذ إن عدة دول أفريقية تتلقى مياه أنهارها الفرعية في النيل من المدخل الجنوبي والغربي للسودان قد عزمت على تشتيت حصة مصر التي تمر عبر السودان من النيلين الأزرق والأبيض.. بمعنى أن السودان لن يتضرر كثيراً لذلك السبب بتحويل ما لكل دولة من أنهار صغيرة إلى السدود التي تبنيها الآن وتمضي قدماً في بنائها بسعات متفاوتة تحت هاجس الخوف من الأزمات الغذائية المتفاقمة الناتجة عن التغيرات المناخية والحرائق والفيضانات والجفاف فالتقت وتجمعت لتصب في مجرى واحد وهو تراجع الصادرات إلى الدول التي تعتمد بنسبة مائة بالمائة وتسعين بالمائة ومادون ذلك قليلاً على استيراد القمح مثلاً من أمريكا وكندا أو أستراليا. وتحتل الدول العربية المرتبة الأولى في استيراد الطعام ومنها السودان الذي ما كان أحد يتوقع ذلك خاصةً ممن يعرفون المساحات الكبيرة للأراضي الصالحة للزراعة والمياه الوفيرة وخاصة في منطقة الجزيرة التي كان يقال بأنها سلة غذاء الشرق الأوسط في المستقبل. وليس لدى مصر مثلاً ولا العراق بدائل مستديمة لتعويض المياه التي سيفقدانها بسبب قيام مشروعات ضخمة لبناء السدود وزراعة الأراضي من المياه الجوفية أو الينابيع ولو حدث ذلك فالكارثة تفوق الوصف في غضون خمسين سنة قادمة. ويراهن واحد من هؤلاء المجموعة من الناس سالفة الذكر على استطاعة اليمن التحول إلى دولة غنية بالمياه في المستقبل إذا اتبعت الحكومة الحالية والحكومات القادمة سياسة بناء السدود والحواجز وحصاد مياه الأمطار وتعاون اليمنيين فيما بينهم بتسهيل مهمات إنشاء السدود والحواجز وتوقفوا عن إهدار ماهو متاح من المياه في زراعة القات والإسراف في المساجد والبيوت والمؤسسات العامة. غير أن البعض سرعان ما قالوا بإنه رهان خاسر وإنه خيالي ومبالغ فيه إلى حد بعيد, لثقتهم أن إمكانية الوعي واستيعاب النتائج الكارثية لهذا التعامل بالثروة المائية غير موجودة وغير ممكنة حتى بعد خمسين عاماً لأن الانشغال بالمصالح الشخصية مقدّم على الاهتمام بالمصلحة العامة , فترى من بيدهم الأمر لا يلتقون ولايتفقون ولايلتزمون بما سبق وأن قالوه في الاجتماعات والندوات والبحوث والدراسات, فمن سيقود القافلة بعزم وصدق في اتجاه توفير المياه والطعام لملايين السكان الجدد قبل أن يموتوا جوعاً وعطشاً و.. و.. و.