ليست المعرفة معطاة من الرسوم التي تأتينا كتاباً عن كتاب.. ورسماً عن رسم، وميتاً عن ميت, كما كان يقول الشاطح الأكبر: (أبايزيد البسطامي) بل إنها موصولة بالغيب، ذلك أن الله منح الإنسان القدرة على التحليق وقراءة ما وراء الظواهر وصولاً إلى المجهول الذي سرعان ما يتحول إلى معلوم بعد أن يحاصر بالإدراك المعرفي. هذا الفتح في المعرفة لا يمكنه أن يأتي دون عناء أو مشقة؛ لذلك فإن المعرفة الحقيقية قوامها ممازجة القراءة بالعمل.. الاطلاع بالتجربة.. والحدس بالتأمل. إن الذين عرفوا كانوا أكثر المتسائلين الحالمين.. كما كان يفعل سقراط الحكيم الذي لم يكن يظهر لمريديه معرفة بالعلوم.. بل كان يكثر من الأسئلة مستدرجاً المريدين إلى مرابع قناعاته ونظراته المثيرة للجدل.. كان سقراط يبدو للآخر غائباً عن الحقيقة, متباعداً عن المعرفة المنطقية التي تمر عبر قنوات العقل المجرد, لكنه في الجوهر استأنس تعليم الآخرين بطريقة غير مباشرة, وإيصالهم إلى قناعاته بطريقة مجافية للمنطق الكلي والنزعة البرهانية الجامدة. على المستوى الإنساني المرتبط بجوانيات الفرد وعوالمه الداخلية لابد من الإقرار بأن الحب والعشق حافز هائل للإنجاز.. فبدون الحب وبدون التماهي عشقاً مع المحبوب لا يستطيع الإنسان استنفاد طاقاته الكبيرة.. لذلك فإن سقراط أجاب عن سائل سأله قائلاً: ما رأيك بالزواج؟! قال له سقراط: تزوج فإن فشلت أصبحت مجنوناً.. وان نجحت أصبحت فيلسوفاً!!. القصد الذي توخاه الحكيم أن الزواج عتبة كبرى في الحب المليء بالدلالات والاحتياطات المعنوية والروحية وبدونه لا يمكن للفرد أن يصبح فيلسوفاًَ حقيقياً لأنه سيفقد توازنه.. بل سيفتقد إلى الطرف الثاني الذي يرمم عيوبه ويقبل بجنونه كما كان يقول سلفادور دالي. قال دالي: أحب زوجتي لأنها تنظم فوضاي. بالمقابل ذهب فان جوخ وجوجان إلى الجنون لأنهما لم يتزوجا!. [email protected]