عندما اجتهد الأسلاف في توصيف وتصنيف البشر على أسس متناسبة مع أشياء الطبيعة وظواهرها لم يكونوا يدركون ان الإنسان يتجاوز هذه الأسس بمراحل، فإذا كانت النار تحرق سهلاً, فالإنسان الناري يحرق السهول والجبال معاً، وإذا كانت المياه تغرق قرية، فالإنسان المائي قادر على إغراق مدن بكاملها، وإذ كان التراب يردم حفرة صغيرة، فالإنسان الترابي يمكنه تجفيف مستنقعات مائية تمتد على مدى البصر، وإذا كان الهواء ينذر بعواصف، فالإنسان الهوائي يعصف بالعواصف وينذر بفداحات أشمل وأكبر، لهذا السبب تحمّل الإنسان تلك الأمانة الثقيلة التي رفضت السموات والجبال أن يحملنها، ولهذا السبب نستشعر خطورة ما نفعله بأنفسنا والبيئة. في أحدث الأفلام الروائية للسينما الأمريكية نتابع ما يحيق بالكرة الأرضية من جراء الاحتباس الحراري، وكيف أن طغيان الإنسان وفساده الكبير يؤديان إلى ذوبان الثلوج القطبية، فيرتفع منسوب البحار، وتغرق المدن الساحلية، ويبدأ عصر جليدي جديد في المناطق الشمالية من الكرة الأرضية مما يؤدي إلى انتفاء الحياة ومعالمها. في هذا العمل السينمائي الروائي يتبين مدى إصرار القائمين على إدارة دفة الحكم، وكيف أنهم يقدسون آلاتهم وطائراتهم دونما نظر إلى عبرة الماضي القريب وما لحق بالآلة العسكرية الهتلرية في شتاء روسيا القارس, عندما عجزت دبابات وآليات الجيش النازي عن الحركة في ليلة ليلاء انخفضت فيها درجة الحرارة إلى مستويات قياسية, مما سمح للدبابات الروسية بالانطلاق وتدمير دبابات الجيش الألماني التي تجمدت الزيوت في محركاتها من جراء الصقيع!. لا يلتفت الكثيرون إلى الوراء، ولا يربطون بين ما كان وما يحتمل أن يكون، فقد تابع العالم كله موت مئات المسنّين في فرنسا وإنجلترا خلال الصيف الماضي بسبب الارتفاع المفاجىء لدرجة الحرارة التي كثف من تأثيرها السلبي الانحباس الحراري. ألا تدل هذه الظواهر على مدى غرائبية السلوك الآدمي؛ لأن الناس يصرّون على الذهاب إلى الخطأ والخطيئة بالرغم من علمهم المسبق بالآثار الوخيمة لهذا الإبحار الجهنمي صوب الهلاك؟!. [email protected]