يبدأ موسم الحج, والحاج بين راغب في العودة إلى الله , تائباً مستغفراً, خاشعاً, منيباً, قد أثقلته الذنوب, وتكالبت عليه العيوب, فبدأ أول مابدأ بخطوة الرضا، وهي رد المظالم إلى أصحابها, بشجاعة المؤمن الصبور الذي عرف الحق على نفسه وآمن أنه لاتوبة مقبولة ولاذنب مغفوراً وحقوق الخلق مصادرة من قبله, وأيقن أن باب القبول لايمكن أن يفتح إلا لنظيف القلب, طاهر اليد, عف اللسان, خلواً من الإثم.. فبشر هذا الحاج بالمغفرة والرضا وجميل القبول. أما الحاج الثاني فيحسب أن الله يغفر للمرائي, يجعل من الحج وسائر العبادات مطية للغفلة والتمويه, ليتمادى في ظلم العباد أكثر, وليكون نهب الناس وحقوق المخلوقين عليه أيسر.. فهذا الصنف ممن ينطبق عليه قوله تعالى(فلا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما نؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار) وهو طراز يمثل كثيراً من الناس الذين يحسبون أن تجارتهم رابحة, مع أن الخسارة في الآخرة نصيبهم, لايتورعون من ظلم فقير ونهب غني وأكل مال يتيم, وسطو على حق عام. فمن يغالط أمثال هؤلاء؟ والحاج الثالث هو الذي يقدم الآخر على الأول, ويخبط في العبادات خبط عشواء, وقد كان عليه أن يبرأ إلى الله من حق هو عليه, لم يؤده لله ولا لخلقه، فلقد كان عليه أن يؤدي حق الآخرين من ديون وواجبات, ولله من فرائض وعبادات, وقد ذهب جمع كبير من علماء الأمة إلى أنه لايجوز الحج بمال الدَّين، فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، والحج مبني على الاستطاع(لمن استطاع إليه سبيلاً) كما لايجوز الحج لمن نهب حقوق الخلق, فلا بد أن يؤديها لأهلها، فالمال المخصص للحج إذا كان مغصوباً, لايصح به حج, وإذا كانت الزوج أو أطفالها بحاجة إلى علاج فالأولى أن يبدأ بعلاج نفسه وأهله, والانفاق عليهم. هذا الطراز من الحاج والآخرون أصحاب(تدين منقوص) وفقه بليد، إن الله طيب لايقبل إلا طيباً, فيكون على المسلم أن يتفقه في دين الله. ورأيت ذات مرة حاجاً يهم بصعود الطائرة, عاد من فوره, ليرد حق رحم قطعها بطمعه وجهله وعناده, فلعل الله قد اطلع على سريرته فغفر له, راجياً أن يكون قد حج من قابل.