العنف المدرسي ليس وليد اللحظة، بل إنه يستعمل في كثير من الدول العربية ومن ضمنها بلادنا كطريقة تربوية، غير أن حدته ارتفعت وأصبحت ظاهرة للعيان في معظم مؤسساتنا التعليمية التي تعج بالكثير من القصص لحالات العنف المدرسي سواء التي سمعنا أو قرأنا عنها أم تلك التي لاتزال أسيرة الصمت والسكوت والخوف.. قصص تخفي الكثير من المعاناة والألم الذي يعيشه الطلاب في بعض المدارس تحت مسمى العقاب المدرسي الذي لا يمت بصلة إلى العملية التربوية والتعليمية. قد يكون العنف ضد الأطفال ظاهرة تُمارس على نطاق واسع؛ غير أن ما نراه في المدارس هو الأخطر، والسبب أنه يأتي من مؤسسات يفترض بها أن تكون صاحبة الدور المهم في نمو الطفل وتربيته وتعليمه وتوجيهه باعتبار أن التربية السليمة هي أساس بناء المجتمع وتطوره، إلا أن ما يحدث هو أن بعض هذه المؤسسات لا تتورع في استخدام العنف كوسيلة عقابية للطلاب دون مراعاة للآثار السلبية التي يتركها على هؤلاء الناشئة، فنجدها تمارس العنف وبقسوة شديدة ضد الأطفال. حتى وإن امتنع بعض التربويين عن استخدام العقوبات الجسدية إلا أنهم يستعيضون عنها بالعقاب المعنوي من خلال اللجوء إلى قاموس المفردات النابية والتجريح بالألفاظ المهينة في إطار التهكم والسخرية وإذلالهم أمام باقي زملائهم، وفي كلتا الحالتين تكون النتيجة واحدة وهي أن العنف بشقيه الجسدي واللفظي لا يؤدي فقط إلى كره الأطفال للتعليم والهروب من المدارس فقط؛ بل إنه يترك تأثيرات سلبية عميقة وخطيرة على الطفل تظل تصاحبه طوال حياته وتنعكس على مختلف نواحي شخصيته النفسية والعاطفية والجسدية. لايزال الكثيرون منا للأسف يقرنون صورة المعلم بالعصا كإحدى الوسائل الأساسية في العملية التربية والتعليمية، بل إننا كمجتمع لانزال نؤمن بصوابية الأخذ بالقول المأثور «العصا لمن عصى» سواء داخل الأسرة أم في المدرسة أو في إطار المجتمع بشكل عام، لذلك نجد أن المعلمين يتفننون في تمثل هذه الأداة التعليمية والتربوية حسب وجهة نظرهم ما بين العصا الخشبية أو المسطرة الخشبية وأحياناً الحديدية، كما لا يعدمون أشكالاً أكثر قساوة في الزجر والردع مثل السلك الكهربائي أو الأنبوب المطاطي وغيرها من الأشكال التي تتشابه إلى حد كبير مع المفهوم التقليدي للسجون في طبيعة وأسلوب ووسائل العقاب والزجر!!. لقد أثبتت عديد الدراسات والأبحاث العلمية أن المعلم الذي يمارس العنف لاعتقاده أنه الأسلوب الأسهل في التربية والتعليم وضبط النظام والمحافظة على الهدوء، إنما يعكس تربية التسلط التي عاشها عندما كان صغيراً على الطلاب الصغار أمامه، فنجده يحرص على أن يتفنن في الضرب المبرح، ويخترع أساليب أكثر قسوة وإيلاماً؛ وكأني به يتلذذ في تعذيب جسد الطالب الصغير، مع أن هذا لا يجعل منه معلماً كُفءاً، بل شخصية مازوخية مريضة تتلذذ في تعذيب الآخرين. وزارة التربية والتعليم كانت قد أصدرت تعميماً بشأن العقاب المدرسي يقضي بمنع استخدام العنف كإجراء عقابي في المدارس، وتحريمه تحريماً قاطعاً لما له من أضرار سلبية على حياة الأطفال والطلبة، لكن ما يصلنا من أخبار عن حوادث عنف من بعض المدارس هنا أو هناك يؤكد أن هذه التوجيهات لم تؤتِ ثمارها والنتائج المتوخاة منها خاصة أن البعض لايزالون ينظرون إلى حوادث العنف في المدارس على أنها فردية وليست ظاهرة خطيرة ومتفشية في معظم مؤسساتنا التعليمية. ولعل الحادثة الأخيرة التي سمعنا عنها مؤخراً مفادها تعرض أحد الطلاب في مدرسة الشعب بتعز لعقاب جسدي وحشي من قبل أحد المدرسين، وهو ما سجلته الصور التي أظهرت آثار وعلامات الضرب على ظهر الطالب، لعل هذه الحادثة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة. ختاماً نقول: العنف المدرسي ظاهرة خطيرة تهدد مستقبل الجيل الناشئ، بل مستقبل البلاد بشكل عام، ويجب أن يتم القضاء عليها، وهذا لن يكون إلا بالتعاون الجاد بين كافة أطراف العملية التعليمية من إدارة تربوية ومعلمين وأولياء أمور وطلاب. [email protected]