تمثّل الطبيعة نبعاً أساسياً لفنون التصوير المائي عند الصينيين، والفارق النوعي بين علاقة الفنان الصيني والأوروبي بالطبيعة يكمن في أن الفنان الأوروبي الخارج من رحم المدرسة التأثيرية الفرنسية الكُبرى يرسم «ما يرى لا ما يعرف» كما قال مُنظّرهم الأكبر «سيزان» فيما الفنان الصيني يرسم ما يرى ويعرف أيضاً. وبهذا المعنى يستحيل اللون عند الصيني إلى مُعادل للذات والموضوع معاً، فهو لا يضع مسافة بينه وبين الطبيعة كما يفعل «سيزان» الذي انقلب على المدرسة الكلاسيكية، ووضع مسافة إجرائية بينه والطبيعة، وتخلّى عن مونولوج الذات الفنية المرتبطة بالجهاز المفاهيمي للفنان، وبشّر بعهد فني تكون فيه الرؤية المباشرة في علاقة الفنان بعناصر الطبيعة سيدة الموقف. والصينيون يرسمون بالماء والأحبار الملونة أكثر من غيرهم، ويكمن السر في فلسفة «التاو» الصينية التي كادت أن تصبح عقيدة لدى البعض، فهذه الفلسفة تعتدُّ بالقوة الناعمة، وتعتقد أن الماء أقوى من الحديد والخشب، والحجر والمدر، والشاهد هو أن الماء يمكنه الإطاحة بأكثر السدود ضخامة، كما يمكنه تذويب أقسى أنواع الحديد قوة. ومن هذا المنطلق يرى الصيني أن الماء وبكل تمظهراته يشكل النبع الأول للرؤية البصرية، ومن المعروف أن الماء لا يظهر بصورة سائل فقط، بل أيضاً بشكل بخار الماء المرئي وغير المرئي، وقد يكون سراباً وفراغاً بصرياً، وقد يكون تكويناً ثلجياً صلباً، فالماء يتقمص الأشكال المختلفة، وتكمن فلسفة العلاقة بالماء في هذه الأشكال المختلفة.