في أفق ما نستطيع استدعاء نص شعري يحيلنا إلى مقاربة مفهومية بين الماء بوصفه نبعاً، والثلج بوصفه تابعاً لذلك النبع.. يقول الشاعر: وما الخلق في التمثال إلا كثلجة وأنت بها الماء الذي هو نابع وتكمن اللطيفة هنا في ذات المقاربة التاوية الصينية الرائية إلى أن الثلج قادم من الماء، وأن السراب الذي “يحسبه الظمآن ماءً” له صلة بالماء بوصفه بخار ماء يتصاعد مع هجير الشمس. وبهذا القدر يمكن تلمس ذات المعاني عند المتأمل البوذي الذي يستغرق وجدانه في ملاحظة الطبيعة وتقلباتها، ومحاولة الإمساك بالجامع المشترك بين عناصر الحياة المرئية والغائبة. السراب قيمة استثنائية في استقراء البعد الثالث المنظوري عند الفنان الصيني، وسنرى أن تصوير الطبيعة يتصل عمقاً بهذه الحقيقة الأزلية، وسنرى مثل هذا التصوير راكزاً في أساس مدرسة الرسم المائي الصيني.. نلمس في فن التصوير المائي الصيني عناصر حيوية تنطلق من هذا المعنى نورد منها مثالاً لا حصراً ما يلي: يكتسب التصوير الماء الصيني تعبيريته الخاصة من خلال انسياب الماء وتلقائية حراكه على سطح الورقة مما يمكن ملاحظته في بعض الأعمال التشكيلية. تتداعى الريشة الصينية مع نعومة الماء من خلال تعمد الصانع الصيني تقديم فرش للرسم تتسم بقدر كبير من النعومة، وذلك استناداً إلى مصادرها الحيوانية الخاصة، فالريش يؤتى بها من شعور “جمع شعر” الحيوانات غالباً. وكما يكتسي الماء ويتداخل مع كل الألوان، يرى الفنان الصيني أن اللون يتدرج بصورة لا متناهية، ولهذا السبب يعتمدون مفهوماً لونياً يتجاوز حدود ألوان الطيف المعروفة، فالأسود ليس أسود بالضرورة, وهكذا الحال بالنسبة لبقية الألوان، وعلينا أن نلاحظ هنا أن اللا متناهي اللوني رديف للا متناهي النغمي البصري، تمام كاللا متناهي النغمي الصوتي مما لا يتسع له الحديث. تعتبر الدربة الراكزة في التأمل والمشقة طريقاً سالكاً لمن أراد إجادة فن التصوير المائي بالطريقة الصينية, وهذه الدربة تعني ببساطة شديدة امتلاك قوة الملاحظة وسرعة التعبير، والمرونة في تغيير الحالة الفنية، واستخدام كامل العناصر الفيزيائية والذهنية للجسد، وصولاً إلى الإبحار في غيوب الخيال الواسع. في الأعمال المرفقة يمكننا ملاحظة بعض ما ذهبنا إليه، حيث ستترافق هذه الأعمال مع شروح قصيرة دالة. [email protected]