منطق الاشتغال على الأبيض والأسود يتجاوز مفهوم اللونين إلى فضاءات التدرج الموحي بالتعددية اللونية. البُعد الثالث الموشى بالسديم قيمة استثنائية في منطق التصوير التاوي الصيني. التدوير والتنافر الهارموني يتّسع لفضاءات لونية باهرة. تأخذ الألوان آماداً غنائية زاخرة كما لو أنها تنساب من زمن البهاء المطلق. الدنو يُوحي بالارتقاء، والتنغيم البسيط يوحي بالمنعة التقنية. الطبيعة الخلابة تُحاصر الكائنات، فيما تنطلق انسيابات الماء مع الألوان الصينية المتفردة برونق السطوع والتنغيم. التكوين المتماسك مقرون دوماً بسرعة التنفيذ وقوة اللمعة. السهل الممتنع المتواشج مع سرعة الفرشاة شبيه باندفاعات الخيول، مع إقامة مُمعنة أحياناً في زمن الأبيض والأسود الذي يتجاوز تخوم الثنائية التقليدية. الخطوط السريعة وضربات الفرشاة المتواترة تنزاح بنا إلى “تيمة” فنية يختص بها الصينيون مثل أوراق وعيدان شجرة البامبو.. مثل هذا العمل لا يستغرق من الفنان الصيني سوى دقائق محدودة. الفرشاة الصينية عريضة من الأسفل، ومتوجة بشعيرات من نسيج الطبيعة كما لو أنها المقابل المفهومي للفرشاة الأوروبية. ببعض الضربات العاجلة يتم تنفيذ عمل فني متماسك وفي زمن قياسي. قوة التعبير الموصول بالاختصارات اللونية، والكاشف لأسرار الطبيعة الخلابة، والمقرون ببهاء الألوان الناعمة أصل أصيل في فن التصوير الصيني. الرسم المنظوري يستقرىء بُعده الثالث من خلال الرمال والمياه، فيما يختار الاختزال منطقاً للجمال، بما يذكرنا بفن تنسيق الزهور عند اليابانيين. التجريد اللوني يتواشج مع الحروفية الصينية التلقائية المنسابة على سطح اللوح. بعض اللوحات الصينية تذكرنا بروائع السينمائي الياباني “اكيرو كيروساوا” الذي باشر التصوير خارج نطاق التقاليد والأعراف القاضية بالتداعي مع بؤرة الضوء.. والفنان الصيني يباشر أحياناً عملاً مُشابهاً، ويُصور باتجاه بؤرة الضوء باحثاً عن جمالية تُناكف السطوع وتعتد بالظلال. البساطة المقرونة بالجمال، والتنفيذ “الناقص” المُفضي إلى خيال الكمال سمة أُخرى للفنان الصيني. عند الصيني التجريد اللوني تعبير يُسافر في مدى الألوان وتقلباتها المتهتكة إمتاعاً. الاختزال الشديد واللون الوحيد، والإيقاع بسرعة الأسماك الشاردة، واللمسات التي تُحمّل الفرشاة كل أسباب التعبير الفني سمة بارزة في الرسم المائي الصيني. يمكن للفنان الصيني أن يصل إلى هارموني يتأسس على اللون والتكوين، ويتناغم مع الخطوط المتعرجة في إشارة أًخرى لزمن إبداعي متحرك. [email protected]