حديثُ الألْوانِ المُتعانقَةِ في لوحاتٍ تجريديَّةٍ مُدْهِشَةٍ قراءة للوحات التشكيلي الفلسطيني خالد نصار بقلم لحسن ملواني كاتب وتشكيلي المغرب في لوحات خالد نصار يأسرك طابعها التجريدي الرائع ، لوحات فريدة تتميز بالاحتشاد اللوني المتناسب تناسبا يفضي إلى مشهديات تجريدية جميلة، ، تخاطب الروح ، وتستدعي التأمل في أبعادها العميقة. لوحات تعكس الانخراط الفعلي في التشكيل بتقنيات ورؤى تتجدد في كل لوحة ، فالمتفرج على لوحات هذا الفنان الماهر يقف على مساحات مشكلة بإبداعية لها علاقة بالخبرة في التراتبية والتناسب اللوني ، علاوة على التجربة العميقة في إعطاء الأبعاد الفضائية و التيماتية الكثير مما يجعلها تستوقفنا كي نتأمل فيها كثيرا.. لوحات تترك في نفس مشاهديها أثرا يجعله راغبا في معاودة التفرج عليها رغبة في اكتشاف المزيد من أسرار الجمال فيها. في جل لوحات هذا الفنان تجد ألق اللون في أشكال توحي بالكثير ، فأحيانا تتشابك تشابكا معقدا يوحي بالأزمة ، وأحيانا تتخذ قوالب جمالية توحي بالسعادة والانفراج .. إنه يبني تيمات لوحاته عبر الاعتماد على الاحتشاد والتعانق اللوني ، فيجعل كل لوحة من لوحاته تمنح المشاهد ذوقا خاصا ، والإبداع كما قلنا في كثير من مقالاتنا هو المختلف ، وهو الذي يدفعنا دوما إلى بذل الجهد قصد الانفلات من التكرار أو إعادة المكرر، ولعل الفنان بعطاءاته الجمالية في ميدان التشكيل ، وطابعه التجديدي والتجريدي ، يشكل لبنة في عالم التشكيل في الوطن العربي ، فبأسلوبه الفريد والمتميز ينجز لوحات رائعة وغارقة في التجريد اعتمادا على نظرته الفنية في التركيب اللوني ، مما جعل لوحاته وجوها من البهاء المشع والناضح بالانسجام والتناغم اللوني في علاقته بالفضاء والمفردات التي تُفعَمُ بها اللوحة. في لوحات خالد تتعالى فرشاته وتلويناته عن محاكاة المرئي بواقعيته ، مما يكسب لوحاته ملامح رائعة تجسد متخيله ، كما تجسد خبرته وتجريبه ورؤيته الهندسية التي تمنح البعد الجمالي والإيقاعي لمفردات كل لوحة من لوحاته. وهي تعكس تجربة الفنان في تعامله وصراعه مع اللون ضمن أعماله الفنية . وبذلك تمثل عناصر أعماله ترميزا إلى عدة معطيات في ذات الوقت . الفنان في هذا الإطار حاذق في التجريد عبر الاستخدام الجيد للتكوينات والتركيبات اللونية ، وفي كثير من لوحاته نلاحظ الحس الدرامي الذي ينشأ عن نوعية هذه التكوينات الت تختلف من لوحة إلى أخرى . إلا أن تجريدية الفنان لا تبعده عن الالتقاط الضبابي لبعض معطيات الفضاء الطبيعي والواقعي ، ففي لوحاته نجد البحر فضاء جميلا ، ونجد الطبيعة وكأنها تكشف عن وجهها الخفي... ورغم أن الفنان طرق الكثير من أبواب التشكيل وتقنياته واتجاهاته ، كما يتبين في بعض لوحاته ، فإنه في اعتقادنا وَفِيٌّ للاتجاه التجريدي بصيغة لا تخلو من إدهاش وغرابة تستدعي التساؤل والتوقف لمحاورة معطيات اللوحة . فلوحاته ترسم الحلم بصيغ و تشكيلات تحمل شفرات تنضح بالدلالة علاوة على ظاهرها الجمالي ، لوحات تتميز بالدقة في توزيع الضوء والظل ، وروعة إعادة التركيب الكامن في الذاكرة البصرية ... ولاغرو أن الفنان استطاع في جل لوحاته أن يراكب بين الرمز والتجريد مع الاكتفاء برسم انطباع الأشياء بتضاريسها العامة وبملامح كتومة لا تبوح بتفاصيلها في اللوحة مما يجعل هذه الأخيرة مختزنة لعدة دلالات تختلف باختلاف رؤية وتأويل كل مشاهد على حدة. و يعتبر بإنجازاته الفنية هذه ، ينبوعا وفير العطاء متميز اللمسة التشكيلية التي تنبىء بنضج تجربته في التجريد الذي يقرب إليك الطبيعة والفضاء بطابع مثير لخلجات المشاعر إزاء مؤثثات اللوحة. هذه الأخيرة التي تنعش البصر عبر تركيباتها الممتعة. لوحات خالد نصار ، لوحات جميلة متكاملة البناء شكلا وهندسة وتكوينا وتلوينا. فبعفوية موجهَة يمنح اللوحة جمالية مبهرة تبعث على التحديق ، وإعادة الرؤية من أجل اكتشاف الجديد. ولا بد من الإشارة إلى أن جرأته في التجريد لم تفقده التحكم في مسارات ووضعيات مفردات وعناصر اللوحة مما يبعدها عن التعمية ، والإبهام الذي تسبح فيه الكثير من لوحات التجريديين في العالم. وإذا كانت المهارة هي العمدة والمرتكز في تشكيل العمل الفني ، فإن أعمال خالد نصار بلا شك مؤشر قويعلى امتلاكه هذه المهارة التي تظهر لمساته على ملامح كل لوحاته التي وإن اختلفت تركيباتها وتكويناتها تتكامل إلى حد بعد من حيث التقنية والتشابكات اللونية ، بحيث تنجح في تكوين علاقات يبني بها الفنان تطلعاته ويترجم حسه الإبداعي في لوحته . كل هذا يجعل من خالد نصار مبدعا لا يمكن نكران إسهاماته النوعية في التشكيل العربي ، وستتكامل تجربته الفنية مع تجارب إخوته من المبدعين والمبدعات من أجل تطوير التشكيل باعتباره نوعا إبداعيا يهذب الذوق ويجدد رؤيتنا للعالم.