يحاول الفكر المتطرف أن يتغلغل في عقلية الإنسان اليمني فلا يجد له من سبيل، لأن حقائق التاريخ القديم وما بعده حتى مجيء العصر الحديث تثبت أن هذه العقلية تكونت بأدوات الفكر لا بأدوات الجهل, وأنها ترعرعت ونشأت وعاشت على ديمومة الفكر أو التفكير الحضاري المستطيل المتلائم مع حياة المدنية والحضارة التي اختارها الإنسان اليمني بعيداً عن أجواء الرعونة والنزق ومظاهر الطيش التي تكلف صاحبها ثمناً باهظاً من ذهاب الاستقرار والشعور بمأساة الزمن وتشجيع صناعة الموت والسقوط المتكرر في قبضة الخراب. فالدين الإسلامي دين التفكير والتأمل والدعوة إلى التدبر في كل ظواهر الحياة كما هو واضح في كثير من سور القرآن الكريم، وهذا يعني أن الإسلام جاء بمنهج علمي متطور لدراسة مشكلات الحياة وظواهرها .. هذا المنهج لا يقوم على الظن أو الاعتماد على الرؤية الحادية القاصرة، بل أمر بالتثبّت والتبيّن ودعا إلى التشاور والاحتكام إلى النصوص الشرعية واتباع الجماعة والاهتداء بالرأي العام، فلا يمكن للأمة المسلمة أن تجتمع على ضلالة قط، ولذا جُعلت النار لمن يشذ عنها أو يتنكب طريقها أو يشعر بأنه هو وحده من بيده نور الحقيقة متّبعاً هوى النفس وقصور التفكير وسوء الفهم بالشكل الذي يوصله إلى مرحلة البغظ ونزعة العداء والحقد الدفين على جميع الناس واستكثار الحياة عليهم، والبحث عن وسائل حاسمة لهلاكهم، وهنا يتلبس منحرفو الفكر الشخصية الإجرامية بأوضح صورها، ويبدأ مشوار الإرهاب والإفساد وسفك الدماء لتصبح الأمة أمام عدو لدود يحارب الدين باسم الدين، ويقتل النفس التي حرم الله باسم الجهاد، وهذا أشد خطراً وأقوى أثراً على مسار السلم في حياة الناس؛ لأن رجل التطرف في هذه الحالة مجرم عن عقيدة وإصرار، فهو يقتُل وهو يضحك ويفجر وهو ملتذٌ، بل ومتحمس لما هو أنكأ جرحاً وأكثر ضرراً وأكثر إضعافاً لبنية المجتمع المسلم. ولكن في ظل مجتمع مثل المجتمع اليمني يصعب على موجة التفكير الإجرامي والإرهابي أن تجتث جذور العقلانية والوسطية التي يحتكم إليها الإنسان ونمىّ في ظلها خبراته وتجاربه في الحياة، فمثل ذلك التفكير الشاذ تنبذه جميع شرائح المجتمع بما فيهم الأميون الذين لم يقرؤوا شيئاً، ولكنهم مفطورون على حب الناس وحب الوطن وتقديس السكينة في المجتمع. والإرهاب وفق هذه المعطيات نبتة خبيثة لا جذور لها، ولذلك سينسحق تحت أقدام اليمنيين جميعهم.. من رجال الوعي والحوار والعقلانية والفهم الصحيح لمسئوليتنا تجاه ديننا وتجاه الحياة .. فالإنسان جاء ليعمر الأرض لا ليفجرها ويهلك الحرث والنسل وينشر الخراب .. والإسلام جاء لينشر الأخلاق الفاضلة في حياة الناس لا ليبث روائح العداء والكراهية ويتعامل بالإجرام والجريمة. ينبغي أن يدرك الجميع أن شبابنا بفعل متابعتهم وملاحظتهم لآثار ذلك الفكر المنحرف ومحاولتهم في معرفة ماهية الحقيقة؛ يمكن القول إنهم سلاح المستقبل للوقوف أمام الفكر الإرهابي المتطرف من أن يجد في أرضهم ملاذاً وسوقاً لترويج أفكار ضالة تضمر العداء والشر للإنسانية جمعاء. ويقيناً فإن جماعات الإرهاب المتوارية خلف الظلام في هذه الأيام لن يطول أمدها، وهي في مكان غير مكانها، وستتحمل نتيجة طيشها إما عجلاً أو آجلاً مادام في الناس فكر عقلاني ودين يقوم على المحبة والسلام وما دام هناك جيوش تحفظ للأمة أمنها وسلامتها وكرامتها.