يصبح البشرُ أشدُ بُغضاً من الشيطان حين يستخدمون قدراتهم العقلية والنفسية في إثارة المتاعب للآخرين، وصلب أحلامهم على قضبان الألم وتقييد حرياتهم بسلاسل البطش والتمكين الكاذب، وليس هذا فحسب، بل إنهم يصفون أعمالهم تلك بالعدل ويصورون جرائمهم العابثة بكينونة البشر كمسرحيات هزلية بعيدة تماماً عن الواقع ويوقعون الأبرياء في مهالك الردى لتخلو لهم مساحات الأرض من رائحة الإنسانية في باقة من القيم، يعبثُ بثباتها الجميع وليس لهم من الأمر شيء سوى أنهم محكومون بسياسات خارجية لاتخدم الصمود والترفع والعلو الذي يحلم به الشرفاء دائماً. الإرهاب صورة حية للتزاوج بين عقول الشياطين وأجساد البشر لا لون لهذا التكتيك ولاشكل لتلك الخطط التي تتخذُ لتقديم نحورهم موائد للمتحذلقين من مرتزقة التاريخ، الذين يذيلون هزائمهم بالدعوة إلى الله، والله بريء مما يدعون.. الدين لايدعو إلى قتل النفس التي حرم الله، ولايروع الأطفال ولايهتك أعراض النساء ولايحتمل دموع الثكالى وذُل العذارى ولايصبر أمام آنات الشيوخ والعجائز.. الدين من الرحمة بحيث أمرنا بطاعة ولي الأمر وعدم الخروج عن حكمه ولو كان عبداً حبشياً كأن راسهُ زبيبة.. الإسلام دين عظيم أصلح حال البشر وقومها وشرح أحكامها إسهاباً وتفصيلاً لكي لايبقى على الناس حجة إلى العصيان واتباع الهوى فلماذا إذاً يبتدعون لأنفسهم ديناً جديداً قوامهُ الإرهاب والتخويف وطمس نوافذ النور واستجلاب أدوات التخريب فعلاً وقولاً بالحثّ على الدخول في ثورات مظلمة غير مهدفة، وكأنها رمادٌ على رمال يرقدُ في انتظار هبوب الرياح. الإرهاب الذي صور الاسلام للعالم بأبشع صورة وأطره بالمصلحة الكاذبة هو إرهاب مدروس ليس تكتيكياً وإنما ايديولوجياً؛ بحيث يظهر وكأنهُ دينٌ جديدٌ منتظر جاء ليعلم الناس أبجدية الجهاد الذي لايلتزم بقواعد الحرب وأسس النزال، وليس فيه خاسرٌ أو منتصر، كما أنهُ ليس بحاجة إلى من يمسك الراية ويوقد فتيل التضحية؛ لأنهُ من العشوائية والتخبط بحيث لاتعرف له بداية من نهاية، ولاتتضح له قمة من قاعدة ولايستوعب كمية التغيرات السريعة جداً التي تغمر العالم، فهو لازال ينظر إلى البشر وكأنهم في عصر حجري يأكلون ثمار البراري ويعبون من ماء الجداول ويسكنون الكهوف المظلمة. الإرهاب حالة جنون مستمرة يصاب بها البشر الذين لايرون السماء ولايبصرون الأرض، لايسمعون احتضار الحجارة في محراب الذهول الإلهي اللذيذ، ولاينصتون لتراتيل الأشجار وهي تصفق إجلالاً لقدرة الملك الخالق. الإرهاب مهمة مؤقتة يقوم بها هؤلاء الظلمة على حين غفلة من عقولهم وقلوبهم معتصمين إلى أرباب الوسوسة وأصحاب الفسوق متجاهلين أن الرسول الكريم جاهد أعداء الله، ولم يجاهد خلق الله أجمعين، لم يرهب الأطفال والنساء والعجزة، ولم يجرب أن ينشر رائحة الموت حول أنوفهم رغماً عنهم. فعرض عليهم الجزية وعندها يصبح من الجنون تجاوز العهد وخيانة الميثاق.. الإرهاب مساحة فكر خالية من الرقابة ولاتحتكم للترجيح ولهذا تأتي خطواتها مهتزة وضرباتها مبعثرة ولاتستند لدليل يبررُ توجهها ويخلي سبيل انتهاكاتها.. ذلك الوجع المّر الذي يتركه الظلم لادواء له فقد استفحل حتى وصل إلى جذور الإرادة ولوثها بالتبعية والانحراف، ثم مسح آثار جريمته بالولوج إلى نصوص الضعف والقوة في حياة الناس، ومن ثم يستطيع برمجة جرائمه وفقاً لاختلاف قناعات الناس ومدى تقبلهم لهذا النبض الميت سلفاً قبل أن يولد.. وهكذا يظل الإرهاب مجرد هستيريا جنونية منظمة تخدم جماعات ذات تاريخ سياسي متأرجح يحاول الحصول على وطن بكتيري مناسب حتى يستطيع التكاثر من خلاله والوصول إلى قمة البطش والتنكيل الإنساني وإعادة تأهيل الشعوب وتطويعهم، وهذا لن يحدث أبداً؛ لأن الأنعام وحدها ترعى في البراري بلا قائد أو قواعد أو شرائع تنظم معاملاتها وتوجه انتماءاتها، حتى لايحدث التصادم بين الحياة كمنهج وطبائع البشر ومعتقداتهم كأداة للتعرف على ذلك المنهج.. الإرهاب مجرد حركة عارضة وجدت بيئةً خصبةً لوجودها ضمن مجتمعات قابلة للانكماش والتمدد وفق رغبات الآخرين ومدى انخراطهم في بيئات أشد تعقيداً منهم، وهي التي لعبت بدورها دور العراب في رحلة طويلة إلى الحضور المغمور والذي غالباً مايصيبهُ التلف كونه ناشئاً عن احتكاك أعواد الثقاب المتفحمة بجدران من الأسمنت!.. الماء وحدهُ يطفئ النار لكن حتى ماء التسامح والعفو وتنفيذ مبادىء الشريعة والقانون لم تطفئ نار هؤلاء ربما لأنهم يشعلون فتيلها من أعماق قلوبهم عدواناً وظلماً.. من لايكره الإرهاب؟! الناس ودماؤهم؟!.. كلنا نكرهُ هذا المسمى البغيض الأرعن، وكلنا يعلم معنى هذا المصطلح الدخيل بمعناه المغاير تماماً لما جاء في القرآن، فقد حدد الله تعالى تلك الفئة التي تستحق أن تُرهب فقال: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوةٍ ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) صدق الله العظيم "الأنفال" آية (60).. إذاً ما يحدث اليوم هو العكس تماماً مما جاء في القرآن؛ لأن المسلمين أصبحوا يرهبون بعضهم بعضاً ويرهبون من قال عنهم القرآن: (لتجدن أشد الناس عداوةً للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودةً للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لايستكبرون) صدق الله العظيم. إذاً السيُاح والأطباء والمسافرون في سبيل دُنياهم وأرزاقهم وأعمالهم لاذنب لهم فيما يحدث من حكوماتهم أو مايفعله اليهود بأهل فلسطين، فلماذا لايوجه هؤلاء اهتمامهم وتكتيكاتهم وسعيهم لنيل الشهادة.. لماذا لايوجهونها صوب فلسطين؟! ألا يبحث هؤلاء عن الشهادة؟! إذاً لماذا لايدركونها هناك في أرض الرباط والمرابطين؟! وليتهم يفعلون».