الروائي الإيطالي “ألبرتو مورافيا” نموذج صاعق للمعتدين على كرامة المرأة، النابشين في أسوأ تجليات السلوك الحياتي غير السوي، بحثاً عن تسويق سردياته المتماهية مع المزاج والموضة، والمشكلة لا تكمن في المرأة كما يصورها مورافيا بقدر ما تكمن في استدعاءاته الذهنية الباحثة عن تعميم نظرات التعليم السيكولوجي الفرويدي، والوجودي السارتري على نماذجه الروائية. هنا نستطيع أن نتوقف أمام موجة نظرية مفاهيمية انتشرت في أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية، وتميّزت بقدر كبير من التخبط والحيرة، وصولاً إلى الذاتوية المنغلقة على “الأنا” السارترية القائلة بأن كل موجود مُجير على إدراكنا فحسب!!، وكأن إدراك الإنسان يصل إلى مثابة المعاني الكبرى القابعة أساساً في الغيب وليس في المرئيات والمدركات والمحسوسات. لقد انتشرت فلسفة اللذة الفارغة، وتم استبعاد الروحانيات والوجدانيات، وكان الرباعي “فرويد، سارتر، مورافيا، دالي” خير تعبير عن هذه الحيرة الفلسفية الوجودية، الأول في حقل النفس البشرية، والثاني في الفلسفة، والثالث في الرواية، والرابع في حقل التشكيل.. اللافت للنظر أن هؤلاء جميعاً تميزوا بالذكاء والموهبة الراكزتين، غير أن تباعدهم الإجرائي عن الدين، وانخطافهم بتراجيديا القارة العجوز وحروبها الكونية أعمت بصائرهم، فما استطاعوا إبصار ما بعد الإبصار، وقراءة ما وراء الأسرار، حتى وإن بدا “فرويد” سرائرياً في استبطاناته النفسية، وسلفادور دالي باحثاً في رؤيا المنامات. في نصّه السردي أراد ألبرتو مورافيا اختصار البشر في الغرائز، وذهب بعيداً في افتراضاته الذهنية، تماماً كما فعل فنانو “الدادا” الذين حرصوا على الإثارة للإثارة ذاتها، بل على تغليف القبيح بالجميل، والقول إن لكل شيء جماليته الخاصة، وسنرى أن هذه الحالة المتطيرة الفارغة من المعنى اتصلت لاحقاً بفنون البناء والتركيب التي يسمونها “الفنون المفاهيمية” كذباً وزوراً. هكذا فعل مورافيا في معرض تناوله للمرأة، وبهذا القدر من المخاتلة كشف عن ذلك الوجه الكالح لما يسمى بالحضارة المادية التي تختزل الإنسان في فيزياء الجسد والضرورة المادية، كما عبر عن محنة التفارق بين الفكر الأوروبي والروح المسيحية التاريخية المقرونة بالفضيلة، وهو ما نرى الآن مقابلاً موضوعياً له في انتشار التديُّن، وخاصة التديُّن الإسلامي الرشيد، فالكثيرون ممن وقعوا في وهدة العبث والممارسة المجانية للفكر الوجودي المادي، والفرويدي السيكوباتي، بدأوا يراجعون أوراقهم، وبالمقابل بدت المرأة تدرك معنى الروح والجسد، مما يجعل نساء ألبرتو مورافيا الافتراضيات نماذج لمتاهة الذات والوجود معاً. [email protected]