نعم.. هذا الغنى الذي وهبك الله نعمة؛ استعمله في إصلاح حالك وأهلك واترك البطر، فما بطر امرؤ إلا عاقبه الله بالقدر عليه في رزقه، وكتب عليه الشقاء الأبدي. كم كنت أود أن يبسط الله لك في الرزق، فتسعد وتسعد من يهمك أمره، ومن جمعت بينه وبينك الحياة على صعيد الإخاء الإنساني والشعور الآدمي النبيل، ففيم كفرانك بنعمة الله عليك؟!. لقد منحك الله ثروة وغنى، فازددت على الحرص حرصاً، وناءت بك السبل إلى أن زدت تقتيراً على تقتير، وقبض يد حتى كادت بنانك تنقطع في بخل وإمساك. وباعدت بينك وبين المعروف شقة الحرص على بعض ما آتاك الله من خير الدنيا، هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟!. إني أحب أن أراك سعيداً بهذا المال الذي وهبك الله على حين غفلة من الأسباب، فما كنت قبل ذلك تلتمس الرزق من أبوابه، وإنما عهدي بك خامل. بل أنت كلٌّ على مواليك وهم كثر؛ غير أن الله يرينا في الأحايين قدرته، مما يدل على عدم دوام الحال الذي هو من المحال. وربما علمت - ولابد أن تقدر للعلم قدره - بأن الإنسان يبغض من يملك ولا يهب، ومن يثري ولا يعطي، ويضن على نفسه وأهله بالخير. ألم تر أن المال عارية مستردة، وأن ما عند الله خير كثير؛ يهبه لمن أنفق في سبيل الله؟!. أما قد علمت أن هناك ملكين قد أوكل الله إليهما أن يدعوا صباح كل يوم جديد «اللهم اعط ممسكاً تلفاً، واعط منفقاً خلفاً» ففيم الإمساك والله يبسط رزقه ليل نهار لمن يحب ولمن لا يحب؟!. وأنه تعالى في علاه يحب الكريم ولو كان قاسياً، وأن الكريم يتأسى بخُلق نبيل كريم من أخلاق الله، فمن أسمائه المقدسة الحسنى اسم “الكريم”؟!. إن حولك أسراً جار عليها الزمن فأصبحت مع عزة نفس تأنف أن تمد أيديها لأمثالك من الذين فاجأهم القدر بالمال فجأة.. ولغيرك من الذين ورثوا المال عن الآباء والأجداد، ونمّوه نماءً كثيراً، فلِم لا تبادر فتكرم نفسك بإعطائها ما هو لها غير مان ولا أشر؟!. أخي صاحب المال والثروة.. بادر قبل أن يفوتك شرف تكريم الله الذي أنابك عنه لتعطي عباده المحتاجين والبؤساء والفقراء.