أكثر من ثلاث سنوات مرّت إلى الآن منذ تأسيس الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد، والمتتبع لمسارها حتى اليوم يلحظ أنها استطاعت أن ترسي الدعائم الأساسية لعملها إلى حدٍ ما، كما بدأت بتتبع الكثير من قضايا الفساد لاسيما في الجانب المالي. كما أحالت العديد من القضايا المرتبطة بالفساد إلى النيابة، ومازالت إلى الآن رغم عمرها القصير تبذل المزيد من الجهود الهادفة إلى مكافحة الفساد, وصولاً إلى إنهاء كل صوره وأشكاله ورموزه وعناصره، ومن ثم الوصول إلى يمن خالٍ من الفساد. لا تكتفي الهيئة العليا لمكافحة الفساد بتتبع قضايا الفساد والتحقيق فيها ومحاسبة المتورطين بها في أية جهة كانت وحسب، بل ذهبت أبعد من هذه المهمة التي تعد الرئيسية بين مهامها. حيث قامت بتنفيذ العديد من الندوات وورش العمل والدورات التدريبية للإعلاميين ومنظمات المجتمع المدني وبعض المؤسسات العامة هدفاً في زيادة الوعي بقضايا الفساد وأضرارها على المجتمع والوطن عامة. وخلق شراكة فاعلة لمواجهة هذه الآفة من منطلق أن جميع أبناء الوطن معنيون بمكافحة الفساد، وشركاء أساسيون مع الدولة في إنهاء كل صور الفساد وأشكاله أياً كانت طبيعتها. أي أن مهمتها من هذه الدورات ترمي إلى خلق ثقافة مجتمعية تتعزز وتترسخ لدى كافة أبناء الوطن، ويعد ذلك جزءاً للمضي على طريق إنهاء الفساد واستئصال جذوره. ومع كل هذه الجهود المبذولة والإجراءات المعتملة على الواقع الوطني إلا أن هناك بعض العوائق والإشكالات التي مازالت تقف أمام الهيئة أو تعيق مسارها والوصول إلى أهدافها الموضوعة، وتسببت بعدم وضوح الصورة بعد. ومن أبرز تلك العوائق والإشكالات عدم تلاؤم القوانين التشريعية مع قانون ولائحة الهيئة، وغياب التنسيق مع رؤساء الوحدات الإدارية مركزية كانت أو غير مركزية. ضف إلى ذلك عدم افتتاح فروع للهيئة في المحافظات رغم صدور توجيهات رئاسية صدرت منذ أكثر من عام تقريباً، هدفاً في تسهيل مهمة قيادة الهيئة في متابعة قضايا الفساد الموجودة في المحافظات. ولا أريد أن يفهم من هذا الطرح أن مهمة مكافحة الفساد هي من مسؤولية الهيئة الوطنية وكفى، بل تقع المسؤولية أيضاً على كل مؤسسات وأجهزة الدولة المختلفة. وينبغي على القائمين عليها أن يكونوا أكثر استشعاراً لمسؤولياتهم في هذا الجانب، ويسهموا بفعالية في القضاء على هذه الآفة التي أضرّت كثيراً بالمال العام, وجعلت اليمن واحدة من البلدان المعروفة بالفساد على المستوى العربي والإقليمي والدولي. ومن أبرز الموضوعات التي ينبغي على مسؤولى الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد إيلاؤها الأهمية أيضاً الجانب الإعلامي, والتعامل بشفافية ووضوح مع المؤسسات الإعلامية المختلفة، كونها ذات الصلة بإبراز جهود وأفعال الهيئة. ونقل صورة واضحة للناس تؤكد لهم أن هناك إجراءات معتملة في إطار مكافحة الفساد, وهناك أيضاً حساب وعقاب لكل المرتبطين والمتورطين بقضايا الفساد عموماً، وبالتالي تصحيح المفهوم المغلوط المكرّس في أذهان الناس من أن وجود الهيئة لا يعدو عن كونه شكلياً فقط. إن مكافحة الفساد قضية وطنية بالتأكيد، ولا ترتبط بجهة دون غيرها، بل تشمل كل الجهات والمؤسسات الموجودة على الخارطة الوطنية. وكم كنا نتمنى أن تبادر هذه المؤسسات بالإعلان أو الكشف عن قضايا فساد في إطارها, وإيقاف المتسببين عنها وإحالتهم إلى التحقيق، كما فعلت وزارة التعليم العالي أكثر من مرة, وكان آخرها التوجيه بالتحقيق مع المستشارين المالي والإداري في الملحقية الثقافية اليمنية بماليزيا، وإيقافهما عن العمل بسبب استمرارهما في ارتكاب المخالفات المالية والإدارية رغم تحذيرهما مسبقاً. إن وجدت الهمّة والإرادة لدى مختلف القائمين على مؤسسات الدولة المختلفة لتم تصحيح الكثير من الاختلالات والسلبيات الموجودة, وسُهِّلت مهام الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد كثيراً, ولبدت الصورة أكثر وضوحاً من اليوم. ثلاث سنوات مضت منذ تأسيس الهيئة.. ولكن مع كل أسف لايزال الجميع يتساءل: ماذا فعلت الهيئة، وما دور مؤسسات الدولة المختلفة في مكافحة الفساد بأشكاله وصوره كافة؟!.. [email protected]