كتبت في هذه الزاوية بتاريخ 27نوفمبر تحت عنوان(هل حان وقت التغيير؟) وذهبت إلى أن إخفاقات فريق كرة القدم ستجعل المدرب هو كبش الفداء وسيكون مصيره في أحسن الأحوال هو الإقالة، وقد حدث وأقيل المدرب، لكن الفشل الذي يصاحب مؤسساتنا وخاصة تلك التي ينخرها الفساد ستبقى تمارس فسادها دون أن يمسها التغيير.واليوم سوف نتحدث عن تجديد الوحدة الوطنية، خاصة وأن ثقافة العنف أضحت اليوم هي السائدة في هذه اللحظات الحرجة والمحتقنة، هناك الكثير من الملفات السياسية والاجتماعية التي باتت تشكل بؤر عنف بسبب إدمان القوى السياسية والقبلية على إنتاج تصوراتها الموهومة وتغليب مصالحها على حساب مصالح الشعب والوطن. ولا نجافي الحقيقة إذا قلنا إن الخوف ينتاب العقلاء من أبناء هذا الوطن وخاصة أولئك الذين أقصوا من الحياة السياسية والثقافية، هؤلاء العقلاء لايخفون تخوفهم من المرض العضال الذي ينتشر كل يوم ولايجد الطبيب الذي يضع له العلاج المناسب. كيف لانتخوف ونحن نشاهد ونسمع كل يوم محترفي الإثارة السياسية والطائفية لكي يجعلوا من أنفسهم نجوماً لامعة ويقدمون خطابات زاعقة ومتعصبة ترمي إلى التعبئة والحشد وتوليد الغضب المنفلت من أية ضوابط. ولهذا فنحن بحاجة إلى إعادة تأسيس وتجديد الوحدة الوطنية. بدلاً عن المضي خلف تلك القوى التي تعمل على تجديد القبيلة وتجديد الإيمان الذي أنشئت من أجله جامعة. فالوحدة الوطنية تحتاج إلى تجديد من خلال الدمج السياسي والوطني. إن مايثير مخاوفنا هوعدم حل القضايا التي تؤثر على الوحدة الوطنية وتركها تتسع كل يوم بسبب إرجاء القانون والدستور مما يجسد العزلة النفسية والاجتماعية. إن الوحدة الوطنية ليست ملكاً لأحد يزعم أنه يحميها أو يعتقد أنه سينهيها ويفك رابطتها.. الوحدة الوطنية هي نتاج جهود أجيال متعاقبة من رجال ونساء اليمن، من المفكرين والمثقفين والسياسيين، والعسكريين، الذين وضعوا فكرة الوحدة رائدة لعملهم الفكري والسياسي. لقد أدرك هؤلاء أن الأهم هو إنتاج الشعب الواحد القائم على التعدد السياسي والثقافي والاجتماعي وتشكيل الوعي الجمعي نحو الوطن الواحد. لقد استطاع هؤلاء الكبار من الرجال والنساء أن يتنبهوا إلى أن اليمن وروحها الوثابة لم تكن قط محض شمال وجنوب، لأن ذلك يقلل من شأنها ووزنها وتاريخها ورسالتها بين الأمم، وقد أدركوا أيضاً أن الحديث عن شمال وجنوب هو أقرب إلى المنطق العنصري. ونحن عندما نقول ذلك فنحن لاننطلق من الأوهام أو الأساطير، وإنما ننطلق من تاريخ اليمن الممتد الذي يحتاج إلى قراءة بوصفه مخزن الخبرات التي ستساعد على مواجهة القمع والفقر والجوع وتقلبات موازين القوى. من هنا فإن الحديث عن الوحدة وعن تكوين الشعب الحديث إنما يأتي وفق مجموعة من العمليات التاريخية والتفاعلات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية، وعلى السلطة أن تدرك أن تكوين الشعب الحديث إنما يأتي عبر هندسة سياسية ودستورية وقانونية تصوغ المشترك المدني الذي يحرك جميع اليمنيين في إطار من المساواة والحقوق والحريات المدنية. وتأسيساً على ما سبق فإن الخوف الذي يجتاحنا على المستوى الفردي والجماعي يأتي بسبب تحول الأخطاء البيروقراطية إلى مشاكل مناطقية، والعنف اليومي إلى حقد اجتماعي وسياسي يزيد من تعقد المشكلات التي تمس وحدتنا الوطنية. نحتاج إلى قدر كبير من الشجاعة وتغليب الروح الوطنية وإرساء دولة القانون من أجل التصدي للغلاة الذين يقدمون مصالحهم الشخصية على حساب مصلحة الوطن والمواطن، أمثال ذلك الشيخ التاجر الذي دعا إلى استخدام العنف والثورة الشعبية بحسب قوله لمنع مجلس النواب من مناقشة قانون الانتخابات. لهذه الأسباب أقول لابد من فتح ملفات الوحدة الوطنية وغيرها من الملفات في هدوء وعقلانية، ليس بهدف إدانة الآخرين، بل بهدف تجديد مفهومنا للوحدة وقطع الطريق على أولئك الذين يريدون بناء مكانة وشهرة على جثة الوطن ووحدته. ثمة احتياج عميق لاستعادة روح الوحدة بوصفها إحدى ركائز استعادة دور اليمن في نفوسنا، فاليمن ليست محض نشيد وعلم، فهي أكبر وأعظم من ذلك. لابد من تجديد وحدتنا من خلال المواطنة المتساوية والحريات المسئولة، ذلك هو مشروعنا للنهضة والحداثة والمضي نحو المشروع الانساني. وأخيراً.. يمكن القول إننا قطعنا خطوات على طريق تعزيز الديمقراطية، لكن هذه الخطوات دون الحلم الذي نطمح إليه من أجل مجاراة التطور الديمقراطي الذي يحتاج إلى قدرة لمواجهة التحديات وقبول المنافسة من كل الأطراف. إن المقياس الحقيقي لمحبي هذا الوطن يتمثل بتوفير المزيد من الحريات والحفاظ على صحة المواطن من أضرار المبيدات التي تفتك بهذا الشعب كل يوم عبر القات والخضروات دون حسيب أو رقيب. ولايمكن لهذا الوطن أن يتقدم ويتجنب الانزلاق نحو العنف، ومن يقودونه أو يحلمون بقيادته يقبعون في غرف مغلقة وينتجون سياسات تحت خدر وريقات القات. إن أفضل حب يمكن أن نقدمه لهذا الوطن وأفضل تجديد للوحدة هو سعي الجميع لحماية البناء الديمقراطي من خلال إقامة الانتخابات في موعدها وتقديم المفهوم الصحيح للحرية التي تجعل من الديمقراطية وسيلة فعالة لتوسيع دائرة المشاركة الجماهيرية في العملية الانتخابية وترسيخ منهج الرأي والرأي الآخر.