ذهب المثل عندما يضحك الواحد على الآخر فيقول له: ليذهب وليحرث البحر، ولكن يبدو أن الأمر لم يعد نكتة؛ فالعلم الآن يعسّ في أعماق البحار على مسافات لم يتوقعها أحد بعد أن تجاوزت عشرة كيلومترات. إذا كان أعلى ارتفاع للجبال على الأرض هي قمم إيفرست فإن أعماق المياه هي أعمق من هذا, ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك!!. ويتم سبر البحر اليوم حتى عمق 4500 متر بغواصات من نوع الفين (Alvin) وهناك من يقتحم لجة المحيط السفلي حتى 6500 متر في غواصات مصممة لثلاث أشخاص من نوع (شينكاي). ويصمم الآن نوع جديد من الغواصات تدعى الطائر العميق للحفر في أرض البحر بعمق 11000 متر ( أحد عشر كيلومتراً ) والاستفادة من كنوزه المجهولة. البشر جابوا اليابسة حتى الآن، ولكن ثلاثة أرباع الكرة الأرضية بحر وماء لم يكتشف بعد، فلا يصل إلى القاع إلا الأموات والحطام من نموذج سفينة التيتانيك، أو سفن الفضة الإسبانية المنهوبة من البيرو. والحراثة في البحر كما نرى لم تعد نكتة بل علماً يدشّن. (شامبليون) عالم الآثار الفرنسي استنطق الفراعنة؛ فأنهضهم من قبورهم يتكلمون بغير لسان، وبشهاداتهم أمام التاريخ يدلون، وعن حروبهم وحياتهم يروون، أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون. واستطاع البريطاني (هنري رولنسون) أن يفك ألغاز اللغة الفارسية القديمة من نقش الملك الفارسي (دارا الأول) على صخرة بارتفاع 300 متر معلقاً بحبل مثل القرود بجهد استغرق اثني عشر عاماً. وادعى (جورج بوناني) رئيس مخبر ( تقنية الكربون 14) في (زيوريخ) أن هرم خوفو بني أبكر من وقته ب 400 سنة، خلافاً للتقويمات الفلكية وما سجلته وثائق التاريخ، فهو يعتمد على نفس ملاط أحجار الهرم يستنطقها عن عمرها بغير فم ولسان، فتحدث عن أخبارها. (سفينتو بيبو) عالم (بصمة الجينات) عرف متى مات الفرعون المصري من مومياء محنطة في متحف، بواسطة خزعة لا تزيد عن رأس دبوس. وبواسطة تقنية (بصمة الجينات) فُك سراح سيمبسون (الأمريكي الأسود لاعب الكرة الشهير) من جريمة قتل، كما عرفت هوية الهياكل العظمية لعائلة القيصر (نيقولا الثاني) الذين قضوا نحبهم في مذبحة مروعة في (كاترين بورج) عام 1917 م. وبواسطة تقنية (البصمة الجينية) تم الوصول إلى بعض الأسرار الخطيرة في قراءة وثائق كهوف (كمران) بجانب البحر الميت، بعد أن كاد اليأس يحيل بينها وبين قراءتها، بعد تآكل النصوص من رقع جلد حفظت يوميات طائفة عاشت في زمن بعثة المسيح عليه السلام. وهكذا فلغة النطق ليست اللسان ويوم القيامة يشهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون. وقالوا لجلودهم من هول المفاجأة: لمَ شهدتم علينا, قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء.